آراب فاينانس: يعاني التعليم الفني والمهني في مصر من صورة ذهنية متدنية للملتحقين به أو ما يمكن أن نطلق عليه "وصمة مجتمعية" رغم دور هذا النوع من التعليم في تلبية احتياجات سوق العمل في مصر، وأهميته في سد متطلبات المجتمع.
وحسب الموقع الرسمي لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني فإن التعليم الفني يمكن أن يلعب دورا رئيسيًا في تأهيل عدد كبير من الشباب وتزويدهم بالمهارات والقدرات التي تسمح لهم بتلبية احتياجات سوق العمل، من خلال إعداد خريجين ذوي مستوى عالي من التعليم، ولديهم مهارات فنية عالية، وقادرين على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة.
ووفق ذات الموقع تعمل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني على تدشين نظام جديد للتعليم الفني يواكب المعايير الدولية، ويشار إليه بمحور (التعليم الفنى 2.0) ويعد نظام التعليم الفني 2.0 هو برنامج مبتكر سيكون بمثابة رأس الحربة في عملية تحويل نظام التعليم الفني المصري، وذلك على أساس رؤية جديدة ونهج مستدام؛ لتطوير ورفع مستوى العمالة المصرية.
ووفق البيان المالي للموازنة للعام 2026/2025 بلغت الاعتمادات المالية للتعليم قبل الجامعي 778 مليار و778 مليون جنيه بنسبة 4% من الناتج المحلي، والتعليم العالي والجامعي 358 مليار و279 مليون جنيه بنسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي، لتصبح إجمالي مخصصات التعليم تريليون و43 مليارا و57 مليون جنيه.
المدارس التطبيقية والتكنولوجية أصبح عليها إقبال ولها اسم تجاري مميز
من جانبه قال الدكتور محمد يوسف وزير التعليم الفني والتدريب الأسبق إن الجهود التي بذلت في الآونة الأخيرة في مجال التعليم الفني جهودًا ملموسة خاصة في مجال المدارس التطبيقية والتكنولوجية التي أصبحت "براند" ولها اسم تجاري مميز وعليها إقبال كبير من الطلاب للالتحاق بها. كما أن هناك المدارس التي أسستها بعض الشركات والتي توفر فرص عمل لهؤلاء الطلاب بعد انتهاء دراستهم في المصانع والشركات التابعة لها.
وأضاف يوسف، وهو أول وزير للتعليم الفني والتدريب في مصر في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس أن هناك توسع حاليًا في الجامعات التكنولوجية والتي غيرت كثيرًا من الصورة الذهنية للتعليم الفني في مصر حيث كانت هناك ثقافة سائدة بأن التعليم الذي يعتمد على المهارات اليدوية أقل شأنا من التعليم الذي يعتمد على المهارات العقلية والذهنية.
وأوضح يوسف، أن التعليم التطبيقي والتعليم النظري، شيئان متطابقان معًا ويكملا بعضهما البعض، وهناك زخم كبير حاليًا حول التعليم الفني حيث بدأت نظرة المجتمع تتغير شيئًا فشيئًا لافتًا إلى أن التعليم الفني لا يرتبط فقط بالتعليم التكنولوجي والصناعي بل هناك التعليم الخاص بالفندقة والسياحة والتعليم الزراعي وهذان النوعان لا يقلان أهمية عن التعليم الصناعي وجميعهم يساهموا في النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد حيث تتمتع مصر بالتاريخ العريق والمناطق الأثرية والسياحية فضلا عن كونها بلدًا زراعيًا أيضًا مشددًا على أن دعم قطاع التعليم الفني يدعم التقدم الاقتصادي وهناك تجارب كثيرة مثل ألمانيا واليابان وأوروبا الشرقية والذين تقدموا نتيجة دعمهم للتعليم الفني وخريجيه مما ساهم في النمو الاقتصادي لهذه البلاد.
ووفق تقرير القوى العاملة للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حصل آراب فاينانس على نسخة منه فإن الحاصلون على مؤهل متوسط فني وعام يساهمون بنسبة 37.3% من قوة العمل في مصر بينما يساهم حملة المؤهلات الجامعية وفوق الجامعية بنسبة 22% من قوة العمل بينما يساهم الأميون بـ 14.7% من قوة العمل وحملة المؤهل فوق المتوسط والأقل من الجامعي بنسبة 4.4% من قوة العمل، ويساهم من يجيدون القراءة والكتابة بنسبة 7.7% من قوة العمل في مصر.
ينبغي تغيير الصورة الذهنية نحو خريجي التعليم الفني
من جانبها قالت أمينة خيري المتحدثة الرسمية السابقة لوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن هناك وصمة لحقت بالتعليم الفني في مصر لأسباب كثيرة منها ما هو ثقافي، ومنها ما هو اجتماعي حيث يتم تصنيف الكليات لكليات قمة وكليات قاع، وأن من يلتحق بالجامعات هو مواطن من الدرجة الأولى بينما من يلتحق بالمعهد العالي هو درجة ثانية ومن يحصل على مؤهل متوسط لمدة عامين هو مواطن درجة ثالثة وهى طبقية غير مرغوب فيها تكونت وترسخت عبر سنوات كثيرة حيث يتم تصنيف خريجي الجامعات كـ طبقات راقية بينما يصنف خريجي التعليم الفني بأنهم طبقات دنيا.
وأوضحت خيري أن اسم وزارة التربية والتعليم تغير فعليًا وتم إضافة التعليم الفني إلى المسمى لكن لم يصحب تغيير المسمى جهود نوعية وإعلامية تبرز أهمية التعليم الفني، وأنه لا يقل عن التعليم العام بل يمكن أن يكون أكثر أهمية منه.
وأضافت خيري، أنه لابد أن يقوم الإعلام بتقديم نماذج من خريجي التعليم الفني والصناعي في مصر مثل التركيز على العناصر الملهمة والناجحة من خريجي صناعة الحلي على سبيل المثال، وتقديمهم للمجتمع فضلا عن الأعمال الفنية والمهنية الأخرى.
وطالبت خيري بضرورة تنظيم حملة إعلامية مستمرة للتركيز على التعليم الفني وإظهار أهميته في المجتمع، مشيرة إلى وجود جهود ملحوظة وتنسيق بين المدارس التكنولوجية والفنية مع القطاع الخاص لتوفير احتياجات سوق العمل من العمالة الفنية المطلوبة.
وأكدت خيري أنه ينبغي تغيير الصورة الذهنية للمجتمع عن التعليم الفني والصناعي مشيرة إلى أنها خلال عملها بوزارة التربية والتعليم وجدت الكثير من الحرف المهنية الواعدة كما تم الاتفاق مع عدد من الدول لتوقيع بروتوكولات معها مثل إيطاليا واليابان خاصة في التخصصات التي تتفوق فيها هذه الدول.
وأضافت خيري في ختام حديثها أن هناك اهتمام كبير يحظى به التعليم العام مقارنة بالتعليم الفني خاصة الاهتمام بالثانوية العامة التي تحظى باهتمام واسع من جانب وزراة التربية والتعليم بخلاف التعليم الفني الذي لا يحظى بذات القدر من الاهتمام.
ووفق تقرير الطلب على العمالة واحتياجات سوق العمل من المهارات المعد من قبل كل من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ومنظمة العمل الدولية فإن إجمالي عدد العاملين في كل من القطاع العام والخاص يبلغ 13 مليون و856 ألف عامل منهم 4 مليون و710 ألف عامل يحملون شهادة التعليم الثانوي الفني و814 ألف يحملون مؤهل فوق متوسط بينما يحمل 4 مليون و891 ألف شهادة التعليم الجامعي في حين هناك 227 ألف يحملون شهادة تعليم أعلى من الجامعي.
ويبلغ عدد العاملين وفق التقرير في مجال تشغيل المعدات والآلات 39516 عامل في حين يبلغ عدد العاملين في مجال التجميع 17895 كما يبلغ عدد العاملين في المهن الأولية 70856 عامل ويبلغ عدد العاملين في مجال الحرف 22659 عامل ومشغلوا المعدات والآلات الثابتة 18140 عامل ويبلغ عدد العاملين في الصناعات التحويلية 2 مليون 726 ألف عامل.
لابد من سياسات حكومية تدعم التعليم الفني
بينما قال الدكتور السعيد رشاد أستاذ اقتصاديات التعليم بجامعة حلوان إن التعليم الفني والتقني يعد قاطرة التنمية لكثير من المجتمعات ومن بينها المجتمع المصري.
وأشار رشاد إلى أن إصلاح التعليم الفني والتقني يبدأ بسياسات تعليمية تتخذ في ضوء الطلب الاجتماعي على التعليم واحتياجات وخطط التنمية للمجتمع المصري والإمكانات المتاحة بشريًا وماديًا .
وأكد رشاد أنه ينبغي العمل علي تنمية وعي أفراد المجتمع تجاه هذا النوع من التعليم وأنه لا يقل أهمية عن أنواع التعليم الأخرى.
وطالب رشاد بزيادة نسبة المقبولين من التعليم الفني والتقني بالتعليم العالي والجامعي لأن النسبة الحالية 5% ضئيلة جدًا مشددًا على ضرورة إصلاح هيكل الأجور وألا يرتبط الأجر بنوع الشهادة بقدر ما يرتبط بنوع العمل والمهارات المكتسبة.
متوسط الأجور
وحسب تقرير الأجور للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فقد بلغ متوسط الأجور الشهري للعاملين في كل من القطاع العام والأعمال العام والخاص 4284 جنيها.
ومن جانبه صرح محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أن الوزارة تولي اهتمامًا بالغًا بدعم التعليم الفني في مصر، انطلاقًا من كونه ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وسد احتياجات سوق العمل المحلي والدولي، وذلك فى إطار حرص الدولة على النهوض بمنظومة التعليم الفني وتعزيز دوره في دعم الاقتصاد الوطني.
وأوضح الوزير أن مصر تضم 1270 مدرسة تعليم فني، من بينها 172 مدرسة زراعية تمتد على مساحة تقترب من 3 آلاف فدان، وتقع في مناطق زراعية متميزة، ما يعزز فرص التدريب العملي والتطبيقي للطلاب.
وأشار إلى وصول عدد مدارس التكنولوجيا التطبيقية حاليًا إلى 90 مدرسة، مؤكدًا على أن الوزارة تسعى لتحويل 1270 مدرسة فنية إلى مدارس دولية لتأهيل الطلاب لسوق العمل العالمي، من خلال التعاون مع دول مثل اليابان وإيطاليا، وكذلك رجال الأعمال والشركات المهتمة بهذا النموذج الناجح.
وأكد وزير التربية والتعليم أن الوزارة تعمل وفق رؤية شاملة تهدف إلى جعل التعليم الفني بوابة للتصدير والاستثمار الخارجي، موضحًا أن أحد أكبر التحديات التي تواجه هذا التوجه هو نقص العمالة الفنية المؤهلة دوليًا وفقًا للمعايير العالمية، وهو ما يُشكل مسؤولية رئيسية تقع على عاتق التعليم الفني.
وأضاف الوزير أن هذه التحديات لها أبعاد متعددة، منها ما هو اجتماعي متعلق بثقافة المجتمع تجاه التعليم الفني، ومنها ما يرتبط بداخل المدارس من مناهج وأساليب تدريب وتأهيل، مؤكدًا أن الوزارة تستهدف تغيير النظرة المجتمعية تجاه التعليم الفني.
وأكد عبد اللطيف أن الوزارة تعمل على فتح آفاق جديدة للتعاون الدولي في مجال التعليم الفني، وذلك من خلال الشراكة مع عدد من الدول التي تواجه نقصًا في العمالة الفنية المؤهلة، نتيجة لظهور وظائف جديدة وتراجع إقبال شبابها على الوظائف التقليدية، مما يفتح المجال أمام العمالة المصرية المدربة لسد هذا العجز.
وأضاف الوزير أنه بالتعاون مع الشركاء في الخارج، وجدنا فرصًا واعدة لدعم التعليم الفني، ونعمل حاليًا على تدريب الطلاب وتأهيلهم وفقًا لأعلى المعايير الدولية، بهدف تمكينهم من العمل في الأسواق الخارجية، وبخاصة في الوظائف الحديثة التي تتطلب مهارات تقنية متقدمة.
ووفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يبلغ معدل المساهمة في النشاط الاقتصادي من الذكور لحملة المؤهل الفني المتوسط والأقل من الجامعي 85.7% بينما يبلغ معدل مساهمة حملة المؤهلات الجامعية وفوق الجامعية في النشاط الاقتصادي 81% يليهم من يقرأون ويكتبون ويحملون شهادة محو الأمية بنسبة 79% ثم الأميين بنسبة 70.3% بينما الإناث من حملة المؤهلات الجامعية وفوق الجامعية يصل مستوى مساهمتهن في النشاط الاقتصادي إلى 44% يليه الحاصلات على مؤهل فوق متوسط وأقل من جامعي بنسبة 34.8%، ونحو 15.1% من حملة المؤهل الفني المتوسط ثم تنخفض تدريجيًا لتصل إلى 8.8% لمن يقرأون ويكتبون ويحملون شهادة محو الأمية ثم 5% لحملة المؤهلات الأقل من المتوسط.