آراب فاينانس: قالت حنان الريحاني، الرئيس التنفيذي لشركة السويدي للتكنولوجيا، وأكاديمية السويدي الفنية، إن قطاع الصناعة المصرية من أقوى وأهم القطاعات التي نمتلكها، بل ومصدر كبير للدخل القومي، ولتعزيز قوته والاستفادة القصوى من إمكاناته، يحتاج القطاع إلى التركيز على تطوير العمالة الماهرة، ومواكبة سرعة التطور التكنولوجي، وإعداد كوادر قادرة على التعامل مع التحول الرقمي وتطبيق حلول الطاقة المستدامة.
وأضافت الريحاني في مقابلة حصرية مع "آراب فاينانس" أن مجموعة السويدي توجه مواردها لبناء منظومة تعليم فني وتكنولوجي قوية، عبر الاستثمار في الطلاب، والأساتذة، وبيئات التدريب، لأننا نرى أن مستقبل الصناعة في مصر يبدأ من جودة التعليم، وليس العكس.
وفيما يتعلق بالتوسع المستقبلي للمجموعة، كشفت الريحاني عن أن هناك تطلعات فعلية لتوسيع نطاق البرامج التعليمية لتشمل مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وصيانة أنظمة الطاقة النظيفة، بما يتماشى مع توجه مصر لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة الخضراء، وإلى نص الحوار:
بصفتك الرئيس التنفيذي لشركة السويدي للتكنولوجيا، كيف تساهم الشركة في دفع عجلة التحول الرقمي في القطاع الصناعي المصري؟
نحن في شركة السويدي للتكنولوجيا (ELSEWEDY EDTECH) ننطلق من قناعة أساسية تتمحور حول فكرة أن التحول الرقمي في الصناعة يبدأ من الإنسان قبل التكنولوجيا.
لذلك نعمل على بناء منظومة تعليمية متكاملة تشمل جامعة السويدي – بوليتكنك مصر (SUTech)، و أكاديمية السويدي الفنية (STA)، بهدف إعداد كوادر قادرة على قيادة التحول الرقمي داخل المصانع وقطاعات الطاقة والبنية التحتية.
نقوم بدمج أدوات الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والأتمتة الصناعية داخل المناهج التعليمية، مع ربط مباشر بالتطبيق العملي داخل شركات كبيرة قائمة فعليًا، بما يضمن انتقال التكنولوجيا من قاعات الدراسة إلى أرض الواقع الصناعي.
ما هي أكبر التحديات التي واجهتكم عند دمج الحلول التكنولوجية المتقدمة في بيئة العمل التقليدية؟
لم يكن الطريق أمامنا خاليًا من الفرص لتطوير الأداء وتعزيز المهارات. في بعض البيئات الصناعية التقليدية، رأينا فرصة لتعزيز ثقافة التغيير والتطوير. فالتحول الرقمي لا يقتصر على إدخال التكنولوجيا فحسب، بل يركز على تطوير طريقة التفكير وأساليب العمل.
عملنا على سد الفجوات باعتبارها فرصة لإطلاق برامج تدريبية مبتكرة، وإشراك الصناعة في تصميم المناهج، وربط التكنولوجيا بحلول عملية تحل مشكلات حقيقية داخل المصانع، مما ساعد على تسريع تبني التغيير وتعزيز جاهزية الكوادر لمستقبل صناعي رقمي متطور.
ومن هنا، تعاملنا سريعًا مع ذلك من خلال التدريب المستمر، وإشراك الصناعة في تصميم البرامج التعليمية، وربط التكنولوجيا بحلول عملية تعالج مشكلات حقيقية داخل المصانع، وهو ما ساعد على تسريع تقبل التغيير.
بل ناقشنا أيضًا مختلف الصعوبات والمزايا التي جلبها وسيجلبها الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال ندوة أُقيمت في الحرم الجامعي بعنوان: الذكاء الاصطناعي والطاقة: وجهان لعملة واحدة، وقد حرصت الندوة على إشراك الطلاب بشكل مباشر لضمان استفادتهم من النقاش، بمشاركة نخبة من الخبراء على المستويات الصناعية والأكاديمية والمهنية.
كيف توازن الدكتورة حنان بين أهداف الربحية وبين الدور التنموي الذي تتبناه مجموعة السويدي؟
استثمارنا الحقيقي في مجموعة السويدي ليس في الأرقام، بل في الإنسان والتعليم ذاته.
نحن نوجّه مواردنا لبناء منظومة تعليم فني وتكنولوجي قوية، عبر الاستثمار في الطلاب، والأساتذة، وبيئات التدريب، لأننا نرى أن مستقبل الصناعة في مصر يبدأ من جودة التعليم، وليس العكس.
عندما نُدرب فني محترف أو نُطور منهج متقدم أو نُؤهل أستاذ قادر على نقل المعرفة الحديثة، فنحن في الواقع نحصن مستقبل الاقتصاد الوطني، ونضمن استدامة الصناعة المصرية بقوة كوادرها. هذا هو جوهر استثمارنا، منظومة تعليم قادرة على تخريج فنيين ومهندسين ومبتكرين يقودون مستقبل مصر التقني والصناعي.
لذلك نؤمن أن التعليم هو القاطرة الأساسية للتنمية، وهو المجال الذي نكرّس له رؤيتنا وجهودنا، لأنه الأساس الذي يُبنى عليه كل شيء آخر: صناعة قوية، مجتمع منتج، وفرص مستدامة للأجيال القادمة.
في النهاية، نحن لا نستثمر في المال.. نحن نستثمر في العقل المصري، والمعلم المصري، والطالب المصري، لأن هذا هو الرهان الحقيقي الذي سيصنع الفارق في مستقبل مصر.
تُعتبر أكاديمية السويدي نموذجًا ناجحًا للتعليم الفني المزدوج.. ما هي الأسباب التي جعلت هذا النموذج يتفوق على الأطر التقليدية؟
السبب الرئيسي هو الارتباط المباشر بسوق العمل لأن نموذج التعليم في أكاديمية السويدي الفنية قائم على التدريب العملي بنسبة 80% في المصانع الشريكة و20% تعليم نظري بالمدرسة.
فالطالب لا يتخرج وهو يبحث عن فرصة، بل يتخرج وهو يمتلك مهارة مطلوبة، وخبرة عملية، وفهم حقيقي لبيئة العمل الصناعية، وهو ما تفتقده الأطر التقليدية. وهذا ما يجعل فخرنا فخر حقيقي بأن نسبة توظيف خريجي الأكاديمية تصل إلى 80%.
من وجهة نظرك ما هى التحديات التي تواجه القطاع الصناعي في مصر؟
قطاع الصناعة المصرية من أقوى وأهم القطاعات التي نمتلكها، بل ومصدر كبير للدخل القومي، ولتعزيز قوته والاستفادة القصوى من إمكاناته، يحتاج القطاع إلى التركيز على تطوير العمالة الماهرة، ومواكبة سرعة التطور التكنولوجي، وإعداد كوادر قادرة على التعامل مع التحول الرقمي وتطبيق حلول الطاقة المستدامة.
هنا يأتي دور جامعة السويدي - بوليتكنك مصر وأكاديمية السويدي الفنية في ربط التعليم بالصناعة بشكل مباشر من خلال نموذج التعليم التطبيقي، إذ نوفر تدريبًا عمليًا داخل ورش ومصانع حقيقية، مع شراكات استراتيجية مع شركات كبرى مثل السويدي إليكتريك، السويس للصلب، وشركات عالمية في مجال الطاقة، بالإضافة إلى شراكات أكاديمية مع مؤسسات مرموقة مثل بوليتكنيكو دي ميلانو وجامعة أميتي دبي.
هذه الشراكات تضمن أن يكون خريجونا مجهزين بالمهارات العملية والمعرفة التقنية المطلوبة، ليصبحوا جاهزين مباشرة للانخراط في السوق الصناعي والمساهمة في تطويره.
كيف يتم اختيار التخصصات داخل الأكاديمية؟ وهل هناك نية للتوسع في تخصصات مرتبطة بالطاقة المتجددة أو الهيدروجين الأخضر قريباً؟
اختيار التخصصات داخل أكاديمية السويدي الفنية يتم انطلاقًا من دراسات مستمرة لاحتياجات سوق العمل الفعلي، وبالتعاون الوثيق مع شركائنا الصناعيين والقطاع الخاص.
هذا النهج يضمن أن تكون التخصصات متسقة مع الطلب الحالي والمستقبلي داخل الصناعة المصرية والإقليمية، مما يعزز جاهزية الخريجين للانخراط مباشرة في سوق العمل.
وقد أسهمت هذه الشراكات مع الصناعة في تحديد مجموعة من التخصصات العملية التي تخدم القطاعات الحيوية، مثل الملابس الجاهزة، الصيانة الكهربائية، تكنولوجيا الصناعات الدوائية، تصنيع الحٌلي والمجوهرات، تكنولوجيا المعلومات والاتصال وغيرها من التخصصات المتنوعة والمتميزة، وهي تخصصات ترتبط بشكل مباشر بمتطلبات المصانع الحديثة ومراكز الخدمات الصناعية.
وفيما يتعلق بالتوسع المستقبلي، هناك تطلعات فعلية لتوسيع نطاق البرامج التعليمية لتشمل مجالات الطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وصيانة أنظمة الطاقة النظيفة، بما يتماشى مع توجه مصر لتكون مركزًا إقليميًا للطاقة الخضراء.
وقد بدأنا هذا العام بالفعل في إدخال برامج تدريبية متخصصة في الهيدروجين الأخضر، وذلك ضمن مركز الكفاءة الذي أُنشئ في العين السخنة بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وقد نجحت الدولة في جذب استثمارات ضخمة في مجال الهيدروجين الأخضر تُقدر بـ64 مليار دولار حتى نهاية عام 2024، مما يجعل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس الآن مركزًا رئيسيًا لتطوير المواهب في قطاعات الطاقة النظيفة.
كما تدعم الأكاديمية هذا التوسع من خلال برامج التعليم الفني والتدريب المهني المباشر (TVET)، وربط المناهج باحتياجات الصناعة، مع اعتماد نظام معلومات سوق العمل (LMIS) لضمان تزويد الطلاب بالمهارات المطلوبة فعليًا.
كما تشمل الشراكات الاستراتيجية وزارة التربية والتعليم الفني، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، والاتحاد الأوروبي، وبنك التنمية الألماني، بهدف إعداد كوادر مؤهلة للعمل في مجالات الطاقة المتجددة، اللوجستيات، والتصنيع المستدام، وتهيئتهم لمواجهة احتياجات سوق العمل الحالي والمستقبلي.
دائمًا ما يواجه التعليم الفني نظرة مجتمعية معينة، كيف عملتم في الأكاديمية على تغيير هذه النظرة وتحسين الصورة الذهنية للتعليم الفني المصري؟
دائمًا ما ارتبط التعليم الفني بصورة نمطية لا تعكس واقعه الحقيقي، ولذلك كان تركيزنا في أكاديمية السويدي الفنية على تغيير هذه النظرة من خلال النتائج العملية.
ففي حفل تخرج الدفعة الثانية عشرة من الأكاديمية، تولّى الطلاب أنفسهم إلقاء خطاب التخرج، مؤكدين أن الصورة المغلوطة عن التعليم الفني لم تعد صحيحة، وأن تجربتهم داخل الأكاديمية كانت السبب الرئيسي في هذا التغيير.
نموذج التعليم التطبيقي في أكاديمية السويدي الفنية أسهم في إعداد الطلاب بمهارات عملية حقيقية، مع نسب توظيف بعد التخرج وصلت إلى 80%، وتخصصات متنوعة تلبي احتياجات الصناعة.
هذا التحول لم يكن ليحدث دون منظومة شراكات قوية مع مؤسسات محلية ودولية كبرى، تفتح أمام الطلاب فرصًا حقيقية منذ اليوم الأول للدراسة. فقد وقّعت الأكاديمية مؤخرًا اتفاقيات استراتيجية مع بنك التنمية الألماني (KfW)، بقيمة 150 مليون جنيه، لإنشاء فرع جديد بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بدعم من بنك مصر، ومع البنك الأهلي المصري لإنشاء فرع بالعاشر من رمضان، إلى جانب شراكة مع تحالف الضيافة المستدامة لتطوير برامج تقنية معتمدة في قطاع الضيافة، تستهدف تدريب أكثر من 30 ألف شاب على مستوى الجمهورية بقيمة 80 مليون جنيه.
هذه الشراكات تعني أن الطالب لا يتلقى تعليمًا نظريًا معزولًا، بل ينخرط في مسار مهني واضح مرتبط بسوق العمل وفرص حقيقية للتوظيف والتطور، وهو ما يجعل الشباب أنفسهم سفراء لتغيير الصورة النمطية عن التعليم الفني.
وكما يتمتع الفني في أوروبا بمكانة اجتماعية ومادية مرموقة قد تفوق خريجي الجامعات، حرصنا على نقل هذه التجربة إلى مصر من خلال تسليح خريجينا بالمهارات والانضباط والفرص التي تُمكنهم من تحقيق هذه المكانة على أرضهم.
أنتِ نموذج ملهم للمرأة في مناصب قيادية بقطاع غلب عليه الطابع الذكوري لسنوات وهو قطاع الصناعة والتكنولوجيا.. ما هي الرسالة التي توجهينها للفتيات الملتحقات بالأكاديمية؟
لم أكن لأتمكن من تقلد منصب مؤثرة مثل "الرئيس التنفيذي لشركة السويدي دون الدعم الذي تلقيته، سواء من أساتذتي القدامى أو مديريني السابقين والحاليين، وحرصهم على تكافؤ الفرص لهذا، حرصت في كافة صروحنا التعليمية على أن تكون الفرص بلا تمييز، بل تُمنح لمستحقيها.
وحتى نكسر النمط المتعارف عليه في الربط بين التخصصات الصناعية والذكور، حرصت أكاديمية السويدي الفنية على تعزيز مشاركة الفتيات ضمن برامجها التعليمية، إذ تمثل الفتيات نحو 20% من إجمالي الطلاب، مع إدراج تخصصات وبرامج تشجيعية تستقبل الإناث وتفتح لهن آفاقًا مهنية في مجالات مثل اللوجستيات والإلكترونيات والتكنولوجيا، بما يعكس التزام الأكاديمية بدعم التنوع وتمكين المرأة في التعليم الفني.
وفي حفل تخرج الدفعة الثانية عشر، ألقت الطالبة المتميزة إسراء، من أوائل أول دفعة نخرجها لذوي الهمم من الصم وضعاف السمع، خطابها المُلهم الذي أوضحت فيه أن الشمول في أكاديمية السويدي هو أساس نجاحها.
ومن هنا، أبعث رسالتي لإسراء ولكل الفتيات المصريات المهتمات بصنع مستقبل مٌشرق لهن: لا تخشي الدخول في مجالات وتخصصات أو حتى معارك توصف دائمًا بأنها ذكورية. لدينا نماذج نسائية ناجحة في التكنولوجيا والهندسة وغيرها من المجالات منذ قديم الزمن، يمكنك أن تكونِي "زها حديد" العصر الحالي إن تمكنتِ من التواجد في البيئة التعليمية والمهنية التي تؤهلك لذلك.
كيف تساهم الأكاديمية في خفض معدلات البطالة، وما هي نسبة التوظيف الفعلي للخريجين داخل وخارج مجموعة السويدي؟
دور أكاديمية السويدي الفنية في خفض معدلات البطالة يبدأ من فلسفة التعليم نفسها.
نحن لا نُخرّج طلابًا ثم نبحث لهم عن فرص، بل نُصمّم العملية التعليمية منذ اليوم الأول على أساس احتياجات سوق العمل الفعلية.
نسبة التوظيف بين خريجي الأكاديمية تصل إلى 80% أما نسبة توظيف ذوي الهمم بالأكاديمية فوصلت إلى 100%، سواء داخل شركات مجموعة السويدي أو لدى شركائنا من القطاعين الصناعي والخدمي داخل مصر وخارجها.
هذا النجاح ناتج عن التدريب العملي المباشر داخل المصانع، واعتماد تخصصات مطلوبة فعليًا، وليس نظرية. الطالب يتخرج وهو جاهز للعمل، لا يحتاج إلى إعادة تأهيل.
كيف يتم تجهيز طالب أكاديمية السويدي للتعامل مع الروبوتات والذكاء الاصطناعي في المصانع، وهل هناك تخصصات جديدة ستظهر قريباً لمواكبة ما تسمى بـ "الثورة الصناعية الخامسة"؟
في ظل تسارع ثورة الذكاء الاصطناعي، نعمل في أكاديمية السويدي الفنية على تحديث المناهج بشكل دوري واستباقي، بحيث لا يقتصر التطوير على إضافة محتوى جديد، بل يمتد إلى إعادة تصميم العملية التعليمية نفسها لتتكامل فيها أدوات الذكاء الاصطناعي، والأتمتة، وتحليل البيانات، والتقنيات الذكية.
نحرص على أن يتعامل الطلاب مع هذه الأدوات في سياق تطبيقي حقيقي، من خلال أنظمة التحكم الرقمية، والمحاكاة، واستخدام البيانات في تحسين كفاءة التشغيل واتخاذ القرار.
اليوم، لم يعد الفني مجرد عامل يدوي، بل أصبح فنيًا رقميًا بامتياز. لذلك تشمل مناهجنا مهارات أساسية مثل التعامل مع الأنظمة الرقمية ولوحات التحكم، قراءة وتحليل البيانات التشغيلية، البرمجيات والتطبيقات الصناعية، السلامة الرقمية والأمن الصناعي، والعمل ضمن فرق متعددة التخصصات. هذه المهارات لم تعد إضافات، بل أصبحت جزءًا أصيلًا من هوية خريج الأكاديمية.
ومن خلال شراكاتنا المستمرة مع القطاع الزراعي، وقّعت جامعة السويدي – بوليتكنك مصر سابقًا اتفاقية تعاون مع شركة الظاهرة – مصر، حيث ساهمت هذه الشراكة في تطوير برامج التدريب العملي والتعليم التطبيقي لطلاب تخصصات التكنولوجيا الزراعية، وربط مهاراتهم مباشرة باحتياجات سوق العمل الزراعي.
كما أتاح التعاون فرص المشاركة في الأنشطة العملية والبحوث والمسابقات، بما يضمن إعداد كوادر مؤهلة للتعامل مع مصانع ذكية وبيئات عمل تعتمد على الابتكار والتحول الرقمي بثقة وكفاءة.
تظهر الأرقام أن مصر تقدمت 70 مركزاً في مؤشر التعليم التقني عام 2024؛ برأيك ما هي العقبات التي تفصلنا عن مضاهاة المعايير الألمانية أو الإيطالية بالكامل؟
هذه القفزة في المؤشر هي نتيجة مباشرة لجهود الحكومة المصرية وتضافرها مع القطاع الخاص ورواد الصناعة، من خلال مبادرات مثل إنشاء سبع مدارس فنية بالشراكة مع البنوك، ومبادرة تطوير 100 مدرسة فنية بالتعاون مع اتحاد الصناعات.
ولنستغل هذه المبادرات أكثر لتعزيز التعليم الفني، خاصة فيما يتعلق بتكامل التعليم النظري والتطبيقي، واعتماد أحدث التقنيات الصناعية داخل المناهج، وإتاحة التدريب العملي المكثف لكل الطلاب.
هنا يأتي دور أكاديمية السويدي الفنية، وجامعة السويدي - بوليتكنك مصر كمكونات نموذجية لتطوير التعليم الفني والتقني، من خلال ربط التدريب النظري بالخبرة العملية، وإدخال تقنيات متقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، وتوفير كوادر قادرة على المنافسة على المستوى الدولي. هذا النموذج يعزز جاهزية الطلاب، ويقربنا خطوة إضافية نحو تحقيق المعايير الألمانية والإيطالية في التعليم التقني.
كيف تتعاملون مع رغبة الطلاب (أو ضغط الأهل) في استكمال التعليم الجامعي التقليدي بعد الأكاديمية؟ وهل "الجامعات التكنولوجية" هي الحل النهائي لهذا التحدي؟
طلاب أكاديمية السويدي الفنية أمامهم بعد التخرج مساران واضحان ومتكاملان للنجاح، نتعامل معهما كطريقين متوازيين للتفوق وليس كخيارين متعارضين.
يستطيع الطالب الانطلاق مباشرة في مسار مهني واعد، مستفيدًا من التدريب العملي المكثف داخل مواقع الإنتاج والمصانع، وإتقانه لتخصصات تطبيقية مطلوبة مثل: الصيانة الكهربائية، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، الإلكترونيات، تصنيع الملابس الجاهزة، الصناعات الدوائية، وتصنيع الحلي والمجوهرات.
وفي الوقت ذاته، يمتلك الطالب فرصة استكمال تعليمه من خلال الجامعات المعتمدة التي تتناسب مع مهاراته وميوله.
ما يهمنا أن ندعمه دائمًا هو العقلية التطبيقية المدعومة بالمعرفة التكنولوجية، لأن الفني الناجح اليوم ليس فقط ماهرًا في التنفيذ، بل قادر على التعلم المستمر، والابتكار، وقيادة التطوير داخل بيئات العمل الحديثة. لذلك نؤكد للطلاب والأسر أن التفوق المهني لا يقل قيمة عن التعميق الأكاديمي التقني، بل إن كليهما طريقان لصناعة كوادر قادرة على المنافسة عالميًا.
كما نطمئن أولياء الأمور دائمًا بأن المؤهلات الفنية والتكنولوجية التي يحصل عليها الطلاب بعد 3 سنوات من التعليم المزدوج، معتمدة رسميًا من الجهات التعليمية المصرية، والجامعات التكنولوجية كذلك تحمل اعتمادًا رسميًا، ما يجعل الطالب قادرًا على التميز والنجاح في أيٍ من المسارين بثقة كاملة، دون تردد أو حيرة بين الخيارات.
بهذا النهج، نضمن أن يكون خريجنا فنيًا رقميًا ماهرًا في التنفيذ، إذا اختار الانطلاق المهني، ومبتكرًا تقنيًا قادرًا على تعميق معرفته والارتقاء بدوره، إذا اختار المسار الأكاديمي التكنولوجي، وفي الحالتين، هو مؤهل للعمل داخل مصانع ذكية محلية وعالمية، وبيئات تعتمد على التحول الرقمي والابتكار الصناعي، بثقة وكفاءة وجاهزية للمستقبل.
يُعد التعليم الفني مكلفًا جدًا بسبب الأجهزة والورش؛ ما هي رؤيتكِ لتوسيع دور القطاع الخاص (المسؤولية المجتمعية) لدعم مدارس فنية أخرى غير تابعة للسويدي؟
التعليم الفني مسؤولية تشاركية، والقطاع الخاص يمتلك الإمكانات والخبرة، والدولة تمتلك الإطار التنظيمي، والمجتمع هو المستفيد.
نرى أن دور المسؤولية المجتمعية يجب أن يتجاوز التبرعات إلى الشراكة الفعلية، مشاركة في التدريب، إتاحة مصانع للتدريب، المساهمة في تحديث المناهج، وتجربة أكاديمية السويدي أثبتت أن هذا النموذج قابل للتكرار والتوسع.
أُطلقتِ مبادرة تحت شعار "The need is now" لتعليم وتشغيل وتصدير العمالة؛ ما هي الدول الأكثر طلباً للفني المصري حالياً؟ وما هي "رخصة مزاولة المهنة" الدولية التي يحصل عليها خريجكم؟
انطلقت مبادرة “The need is now” في ظل متابعة مباشرة من الحكومة، حيث اجتمع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة مع عدد من رواد الصناعة، من بينهم مؤسسة السويدي، لمناقشة مستقبل التعليم الفني وسبل التعاون بين القطاع العام والخاص، حيث أكد على أهمية تطوير المدارس الفنية الصناعية ورفع كفاءة الشباب المصري بما يتماشى مع احتياجات سوق العمل المحلي والدولي.
والمبادرة تقوم على أربعة محاور: التعليم، وبناء المهارات، والتوظيف، ثم إتاحة الفرصة لتصدير العمالة المدربة بشكل منظم ومهني، وذلك تكاملًا مع خبرة السويدي التعليمية التي تعمل منذ ما يزيد على 12 عامًا على الارتقاء بقدرات وكفاءة الشباب المصري بما يتماشى مع متطلبات سوق العمل في القطاع الخاص والتطورات التقنية الحديثة.
وبحسب بيانات الجهات الحكومية، تحظى العمالة المصرية الماهرة بطلب متزايد في عدد من الأسواق الخارجية، خاصة في اليونان وقبرص، إلى جانب دول عربية شقيقة مثل الكويت، حيث تُعد التخصصات الفنية والمهنية من بين الأكثر طلبًا، وتم توفير نحو 280 ألف فرصة عمل بالخارج خلال الأربع سنوات الماضية.
وعلى صعيد شهادات الأكاديمية التي تؤهل الطالب للاستفادة من هذه المبادرة ومن جهود الحكومة في تصدير العمالة المصرية، يحصل الطالب على شهادة الدبلوم الفني المعتمدة من وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بنظام التعليم المزدوج، بالإضافة إلى شهادة خبرة عملية من جهة التدريب الصناعية، وشهادات دولية معتمدة تمنح خريجينا ما يمكن وصفه بـ“رخصة مزاولة المهنة” الدولية، مثل شهادات الغرفة التجارية الألمانية العربية للتجارة والصناعة، إضافة إلى شهادات اللغة الإنجليزية المهنية من جامعة كامبريدج، وتعزز هذه الشهادات قدرات خريجينا على المنافسة عالميًا، بدعم من اعتماد الجودة الدولي.
الهدف النهائي هو تخريج فني مصري محترف قادر على المنافسة محليًا ودوليًا، والاختيار بين فرص حقيقية داخل مصر أو خارجها، وفق مسار مهني واضح ومستدام.
هل انتٍ مع التوجه نحو تصدير العمالة المصرية أم تفضلين الاستفادة منها داخل السوق المصرية؟
لا أرى تعارضًا بين الأمرين، السوق المحلي يحتاج إلى كوادر قوية، وفي الوقت نفسه تصدير العمالة المدربة يعزز سمعة مصر الصناعية ويعود بالنفع الاقتصادي، والأهم هو أن يكون التصدير قائمًا على مهارة حقيقية، وليس على سد فجوة مؤقتة.
أخيرًا.. أين ترين أكاديمية السويدي في الخمس سنوات القادمة؟ هل هناك خطط للتوسع إقليمياً خارج حدود مصر؟
بدأت فكرة الأكاديمية عام 2011 بهدف دعم الصناعات التابعة للسويدي، لكنها تحولت منذ 2016 إلى مشروع استراتيجي لدعم الدولة والارتقاء بمستوى الفني المصري، بما يسهم في تعزيز الاستثمار وزيادة الصادرات. وقد تحقق هذا النجاح بفضل شراكات قوية مع المؤسسات الحكومية، القطاع الصناعي، والقطاع المصرفي، وعلى رأسهم شركة السويس للصلب.
نجحت الأكاديمية في التوسع من فرع واحد إلى سبعة فروع حتى الآن، وتعمل للوصول إلى 10 فروع لاستيعاب 5 آلاف طالب، مع خطة لمضاعفة هذا العدد إلى 10 آلاف طالب خلال السنوات المقبلة.
يعكس هذا النموذج نجاح ربط التعليم الفني مباشرة باحتياجات سوق العمل، مع توفير فرص تدريب عملية وتأهيل مهني يضمن جاهزية الخريجين لسوق العمل محليًا ودوليًا.
ولنبني على هذا النجاح، ترى أكاديمية السويدي الفنية أن المستقبل يتطلب توسعًا مستمرًا واستثمارًا في التعليم الفني لتلبية احتياجات الصناعة المحلية والدولية، وتسعى الأكاديمية خلال السنوات الخمس القادمة إلى إنشاء 5 إلى 10 فروع جديدة بحلول عام 2030، بإجمالي استثمارات تتراوح بين 1.2 و2.4 مليار جنيه.
وقد بدأنا بالفعل في تنفيذ هذه الخطة على أرض الواقع من خلال توقيع اتفاقيتين لإنشاء فرع بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس بدعم من بنك مصر، وفرع آخر بالعاشر من رمضان بالشراكة مع البنك الأهلي المصري.