آراب فاينانس: تسعى مصر حاليًا لمواكبة التطور التكنولوجي الحاصل في مجال الذكاء الاصطناعي، والذي بات يستخدم في كافة المجالات.
وحسب خبراء تحدثوا لـ آراب فاينانس فلايزال أمام مصر الكثير من الإجراءات والجهود اللازم اتباعها لملاحقة الذكاء الاصطناعي، وتدشين بنية تحتية مناسبة له من مراكز بيانات وغيرها، إلى جانب دعم البحث العلمي في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأهيل الكوادر البشرية وتطوير المناهج التعليمية وصقلها بالبرامج اللازمة في هذا المجال.
وأطلق المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي الإصدار الثاني من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2025-2030، استكمالًا للإصدار الأول الذي بدأ عام 2020؛ وذلك بهدف ترسيخ مكانة مصر كفاعل إقليمي ودولي في مجال الذكاء الاصطناعي، عبر بناء منظومة متكاملة تشمل الحوكمة، التكنولوجيا، البيانات، البنية التحتية، النظام البيئي، والمهارات.
ووفق الاستراتيجية، تهدف مصر إلى أن تصل مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يستفيد 26% من القوى العاملة من أدوات الذكاء الاصطناعي، مع تدريب ما لا يقل عن 30 ألف متخصص وإنشاء أكثر من 250 شركة ناشئة ناجحة في هذا المجال.
من جانبه يقول الدكتور وائل بدوي، رئيس قسم علوم البيانات بالجامعة المصرية الروسية، إن مصر لاتزال في بداية الطريق في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بالتقدم الحاصل عالميًا، لكنها في ذات الوقت تحاول دخول هذا السباق الذي لا يتوقف، إذ هناك بعض الشركات الناشئة التي بدأت تستثمر في مجال الذكاء الاصطناعي، وهناك العديد من البنوك والجهات الحكومية التي بدأت تعتمد على خوارزميات تحليل البيانات، إلى جانب بعض الجامعات التي دشنت هذا التخصص ضمن مناهجها التعليمية.
فجوة بين التطور في مجال الذكاء الاصطناعي عالميًا وبين ما يحدث في مصر
ويوضح بدوي في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس أن هناك فجوة كبيرة بين التقدم دوليًا وبين ما يحدث في مصر الآن، لأن التطور العالمي أسرع بكثير مما لدينا وتزداد المنافسة يومًا بعد يوم.
إذن كيف نلاحق هذا التطور؟ يتسائل بدوي ويؤكد في ذات الوقت أنه ينبغي أن يكون هناك خطة واضحة تبدأ بتدريب الكوادر الفنية تدريبًا عمليًا، وليس نظريًا فقط ثم الجانب الآخر هو دعم الصناعة ودمج استخدامات الذكاء الصناعي بها، وكذلك ضرورة وجود شراكات دولية، ونقل للتكنولوجيا مع أهمية وجود تشريعات تنظم استخدامات الذكاء الاصطناعي، وتحمي خصوصية المستخدمين.
ويشير بدوي إلى أن البنية التحتية التكنولوجية في مصر، تعد مقبولة لكنها ليست على المستوى الذي يجعل مصر تنافس عالميًا حيث لدينا في مصر مراكز بيانات وكابلات بحرية جيدة، لكن ينقصنا ما يسمى بالمعالجات الرسومية (GPU Farms)، وهذه المعالجات تحديدًا تُعد العمود الفقري لأي دولة ترغب في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي.
ويشدد بدوي، وهو عضو بمجلس بحوث الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بأكاديمية البحث العلمي، على ضرورة الترابط بين البيانات الحكومية، وإنشاء مركز قومي للذكاء الاصطناعي وسحابة وطنية موحدة، وبحيرة بيانات حكومية تجمع كل البيانات من جميع الوزارات إلى جانب وضع سياسات للبيانات مفتوحة المصدر الـ Open Data مع تطوير شبكات الإنترنت بتكلفة أقل وسرعات أعلى فضلًا عن نظام قوي للأمن السيبراني Cybersecurity يحمي الأنظمة الجديدة.
وحول أبرز التحديات التي تواجه مصر لمواكبة السرعة في مجال الذكاء الاصطناعي يوضح أن أهم هذه التحديات هى قلة البيانات وعدم تنظيمها، كما أن هناك محدودية وقلة في الكفاءات والكوادر المتخصصة في هذا المجال، واعتبار بعض الشركات أن الذكاء الاصطناعي رفاهية وليس استثمارًا ذو تكاليف عالية إضافة إلى أن هناك تخوفات لدى بعض الموظفين من أن يحل الذكاء الاصطناعي محل البشر، كما نحتاج في مصر لبنية تشريعية تنظم هذا القطاع.
يؤكد بدوي، على أن هناك قطاعات واعدة، ولديها استعداد لاستخدام الذكاء الاصطناعي بها، ومنها القطاع الزراعي من خلال استخدام الري الذكي، وتحليل التربة، والتنبؤ بالمحاصيل، وكذلك إمكانية استخدامه في مجال الصناعة عبر الصيانة التنبؤية وجودة الإنتاج فضلًا عن المرور والنقل من خلال الإشارات الذكية، والنقل الجماعي، وإدارة الزحام، كما يستخدم في القطاع الطبي في الأشعة والتحاليل والتشخيص، إلى جانب استخداماته في مجالات التعليم وأنظمة التقييم الذكية، وكذلك في الأمن السيبراني وكشف التهديدات والهجمات الإلكترونية قبل حدوثها.
ويختتم بدوي حديثه قائلًا: إن مصر أمامها فرص كبيرة لأن لديها القوى البشرية من الشباب القادرة على التعلم والتدريب، كما تتمتع مصر بموقع جغرافي مميز يؤهلها لتكون مركزًا إقليميًا للذكاء الاصطناعي في أفريقيا والشرق الأوسط.
ضرورة دمج مناهج الذكاء الاصطناعي في التعليم المصري
وتتفق الدكتورة سمية الشربيني رئيسة شركة أُوبس للذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات مع رؤية بدوي حيث ترى أنه ينبغي دمج مناهج الذكاء الاصطناعي في التعليم المصري ونشر ثقافة التكنولوجيا في مراحل تعليمية مبكرة لتعريف الأجيال الجديدة بالتكنولوجيا.
وتضيف الشربيني أن مصر بها العديد من الكوادر الشبابية المميزة في مجال البرمجة، وهم ينافسون دول مثل الهند وجنوب شرق أسيا في هذا المجال مشيرة إلى ضرورة استغلال موقع مصر الجغرافي لجذب مزيد من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي.
في حين يؤكد المهندس شحاتة السيد رئيس مجلس إدارة شركة أو إس إتش للذكاء الاصطناعي أن مصر لديها بعض المعوقات في مجال البنية التحتية لدى مؤسسات القطاع الخاص، حيث تحتاج إلى جهود ضخمة لمواكبة التطور التكنولوجي.
ويوضح السيد أننا في مصر لانزال نعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي بينما يتقدم العالم في مجال تصنيع الروبوتات والآلات الذكية التي تتداخل في مجالات مختلفة مثل قطاع صناعة السيارات والقطاع الزراعي ورغم وجود بعض الشركات المصرية العاملة في مجال تصنيع الروبوت لكنها تتم وفق نظام مبرمج مسبقًا، وهو يختلف عن النظام المتقدم في تصنيع الآلات الذكية والقادرة على التفكير واتخاذ القرارات.
ينبغي الاستفادة من انضمام مصر كدولة شريكة فى برنامج أفق أوروبا
بينما يؤكد الدكتور محمد عزام، عضو مجلس إدارة الجمعية الدولية لإدارة التكنولوجيا، أن الذكاء الاصطناعي ليس وليد الوقت الراهن بل يتم استخدامه منذ الستينيات، مطالبًا بضرورة دعم الشركات الناشئة للعمل على هذه التطبيقات الإلكترونية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي خاصة أن هذه النوعية من الشركات قادرة على النمو السريع وجذب مزيد من الاستثمارات.
ويضيف عزام أننا نحتاج قدرات حوسبية كبيرة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي في مصر مطالبًا باستغلال انضمام مصر كدولة شريكة في برنامج "أفق أوروبا" مع الاتحاد الأوروبي والموقع حديثًا في بروكسيل ببلجيكا بحضور السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية حيث أكد الطرفان على التزامهما بالتعاون فى مجالات التحول الرقمى، وتحفيز الاستثمارات فى البنية التحتية للبيانات والربط الرقمى الموثوق والآمن، وتعزيز الأمن السيبرانى والذكاء الاصطناعى، واقتصاد البيانات وتنمية المواهب والمهارات الرقمية.
كما تتيح الاتفاقية وفق عزام استخدام مصر للبنية التحتية الأوروبية التكنولوجية فائقة التطور، مشددًا على ضرورة الاستفادة من هذه الاتفاقية واستغلال البنية التحتية التكنولوجية الأوروبية في مجال الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على نمو مراكز البيانات العملاقة في مصر وتطورها.
وناقش الاتحاد الأوروبي ومصر الشهر الماضي سبل تعزيز الذكاء الاصطناعي الموثوق والشامل، من خلال بناء القدرات والتطوير المؤسسي حيث يستهدف الطرفان العمل على المزيد من التعاون في مجال الحلول الرقمية التي تعالج التحديات المجتمعية، وتعزز التنمية المستدامة والقدرة التنافسية، بما في ذلك في مجال التوقيعات الإلكترونية.
من جانبه أكد الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على أهمية الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في مواكبة التطورات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، خاصة في ظل الابتكارات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي.
وأضاف أن هذه الاستراتيجية تمثل خطوة هامة لتحقيق التحول الرقمي في مختلف قطاعات الدولة وتعزيز مكانة مصر في مجال الذكاء الاصطناعي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ووفق طلعت فإن مساهمة قطاع الاتصالات في الناتج القومي ارتفعت من 3.2% عام 2018 إلى 6? في عام 2025 منوهًا بأن وضوح الرؤية كان سمة رئيسية في النسخة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي من خلال وضع مستهدفات محددة خلال السنوات الخمس المقبلة (2025-2030)، والتى من أبرزها أن تصل نسبة مساهمته للناتج المحلي الإجمالي لمصر إلى 7.7%.
وحسب الموقع الرسمي لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي فإن قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من أهم الأنشطة التي حقّقت نموًا مُرتفعًا خلال العام الـمالي؛ حيث سجّل نموًا بلغ 13.8% خلال عام 2024/2025، مدعومًا باستراتيجيّة مصر الرقميّة 2022-2026، وإطلاق شبكات الجيل الخامس.
كما أكد تقرير لوزارة التخطيط صدر 30 سبتمبر الماضي أن نشاط الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات حقّق نموًا بنسبة 14.6% خلال الرُبع الرابع من العام الـمالي 2024/2025، في ظل التوسّع في الاستثمارات في البنية التحتيّة الرقميّة.