آراب فاينانس: توقع خبراء اقتصاديون، تأثر معدلات التضخم بمصر برفع أسعار المحروقات المرتقب خلال الأيام المقبلة، مؤكدين أنه من المتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار الوقود إلى موجة جديدة للغلاء في أسعار السلع والمنتجات الأساسية أهمها الغذاء.
ويأتي ذلك في إطار التزامات مصر ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي، والذى يتضمن خفضًا تدريجيًا لدعم الوقود.
وشهدت موازنة العام المالي 2025/2026 انخفاضا كبيرا لدعم الوقود ليصل إلى 75 مليار جنيه، مقارنة بالعام المالي السابق البالغ 154.5 مليار جنيه.
ارتفاع أسعار المحروقات يؤدي لارتفاع أسعار السلع والخدمات
من جانبه قال طارق محيي الدين الخبير الاقتصادي والمحلل المالي في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن رفع أسعار الوقود في مصر يؤدي إلى زيادة أسعار نقل البضائع وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاع باقي أسعار المنتجات والسلع، مطالبًا بضرورة التحكم في الأسواق والرقابة عليها من جانب الجهات الحكومية خاصة مفتشي وزارة التموين.
وأضاف محيي الدين، أن ارتفاع الأسعار سيؤثر على معدلات التضخم في مصر، منوهًا بأن ارتباط مصر ببرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي والذي يشترط رفع الدعم التدريجي عن الوقود، يلزمها بزيادة أسعار البنزين والسولار وباقي المحروقات، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع في أسعار المواصلات والنقل ومن ثم يؤثر على باقي السلع والخدمات.
بينما قال الدكتور ناصر حسين، الخبير الاقتصادي إن زيادة أسعار الوقود والمحروقات في العالم كله لها تأثير وتبعات اقتصادية على الأسعار والتضخم بصورة كبيرة، حيث تؤدي الزيادة في أسعار النقل والمواصلات إلى تأثيرات طردية مع عدة قطاعات حيوية لافتًا إلى أنه في مصر يؤدي ارتفاع سعر الوقود إلى تأثيرات على القطاع الصناعي والقطاع الزراعي والخدمي وكذلك على نقل السلع والمنتجات الغذائية.
ينبغي مراقبة الأسواق بعد رفع أسعار المحروقات
وأوضح حسين أن الأزمة في مصر مع ارتفاع سعر الوقود هى الارتفاعات غير المبررة والمضاعفة لباقي السلع والخدمات نتيجة جشع بعض التجار الذين يستغلون رفع أسعار المحروقات في زيادة الأسعار بقيم مضاعفة، وليس بنفس النسب المفترض أن تزيد بها وفق الزيادة في أسعار الوقود، وهو ما يؤدي إلى انفلات في الأسعار وعدم انضباط في السوق.
وأشار إلى أن هناك تجارب دولية كثيرة في التعامل مع هذه الإشكالية حيث نجد على سبيل المثال في بعض الدول مثل العراق هناك إدارة تسمي إدارة الأسعار تابعة لوزارة الداخلية تعمل على مراقبة السوق بعد الزيادة في المحروقات من خلال سيارات تجوب الأسواق، وتتابع نسب الزيادة في المنتجات والسلع والخدمات وانضباط السوق.
وطالب حسين بضرورة الإسراع في تنفيذ خطط الدولة للانتقال لأنواع أخرى من الطاقة النظيفة وزيادة نسب استخدام كل من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وضمها لشبكة الكهرباء لتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي مع ضرورة وجود مخزون واحتياطي من المحروقات مثلما تفعل دول كثيرة ومنها الولايات المتحدة الأمريكية.
وشدد حسين في ختام حديثه لـ آراب فاينانس على أنه ينبغي أن يراعي برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تقوم به الدولة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ظروف كل دولة على حدة، لأن ما يصلح لدولة ليس بالضرورة يصلح لدولة أخرى.
من ناحيته قال الدكتور محمد عبد العظيم المدرس بقسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية إن الدولة نجحت مؤخرًا في تخفيض معدلات التضخم وهو ما تبعه تخفيض سعر الفائدة الأمر الذي أثر على انخفاض التكاليف في بعض القطاعات مثل قطاع العقارات الذي تمثل فيه تكلفة التمويل والقروض نسبة كبيرة، مشيرًا إلى أن ارتفاع سعر المحروقات سيؤثر بالطبع على تكاليف معظم المصانع والمشروعات وهو ما سيؤدي إلى تحميل المستهلك النهائي بهذه الزيادة، مشيرًا إلى أنه يتوقع مزيد من الضغوط على محطات الكهرباء التي تعمل بالمشتقات البترولية فضلًا عن التأثير على قطاعي الشحن والتفريغ.
تفعيل تطبيق الحد الأدنى للأجور
وأضاف عبد العظيم أنه ينبغي على الحكومة أن تُفعل تطبيق الحد الأدنى للأجور على العاملين بالقطاع الخاص وهو 7000 جنيه شهريًا لمجابهة هذه الزيادة في أسعار المحروقات المرتقبة والتقليل من الضغوط التضخمية، مشيرًا إلى أن الحكومة أبقت على أسعار القطارات كما هى دون زيادة وهو ما سيساهم أيضًا في مجابهة الضغوط التضخمية لفئة عريضة من المجتمع.
وحدَّد المجلس القومي للأجور في مصر الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص عند 7000 جنيه مصري، وذلك اعتبارًا من 1 مارس 2025، وتعتبر هذه هي الزيادة السابعة في الأجور خلال ثلاث سنوات.
وأوضح عبد العظيم أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على معدلات التضخم في مصر ومنها تخفيض الدعم على الوقود وانخفاض إنتاجية العامل المصري حيث يترتب على ذلك انخفاض الأجر الحقيقي للعامل.
وقال الدكتور علاء رزق، الخبير الاقتصادي، إن رفع أسعار المحروقات ينعكس سلبًا على انخفاض مستوى معيشة قطاع كبير من المواطنين في مصر، نتيجة زيادة التكاليف التشغيلية التي تؤثر على السعر النهائي للمنتجات والخدمات حيث إن أغلب الصناعات تعتمد اعتماد كبير على أسعار المحروقات.
وأشار رزق إلى أن رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي أعلن مؤخرًا بأن الزيادة المقبلة لأسعار البنزين قد تكون الأخيرة، وهي رسالة طمأنة للمواطنين خاصة أن سعر البنزين في مصر اقترب من الأسعار العالمية.
وتوقع رزق أن معدلات التضخم يمكن أن تزيد من 1 إلى 2% نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات لكنه شدد على أنها قادرة على امتصاص هذه الزيادة واستيعابها.
وحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فقد سجل معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية 11.2% لشهر أغسطس 2025 مقابل 13.1% لشهـر يوليو 2025.
ضرورة تحسين نظام الأجور
وطالب رزق الحكومة بضرورة تحسين نظام الأجور والمرتبات في مصر، لعلاج الفجوة السعرية المتوقع حدوثها بعد زيادة أسعار المحروقات.
وفيما يتعلق بالسياسات النقدية أكد رزق على أن ينبغي تخفيض سعر الفائدة أو الإبقاء عليها لتخفيض تكاليف التمويل للمشروعات التي تنعكس بشكل مباشر على الأسعار.
وفي ختام حديثه شدد رزق على ضرورة التوجه للطاقة النظيفة مثل مشروعات الهيدروجين الأخضر حيث تتعاون مصر مع الهند تعاون وثيق في هذا المجال لافتًا إلى أن معظم دول العالم تتجه نحو تقليل الاعتماد على الطاقة التقليدية، ومصر لها فرص واعدة في هذا القطاع نتيجة توافر مقومات هذه الصناعة من طاقة شمسية وطاقة رياح وغيرها من الإمكانات.
وأعلنت لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر، في 11 أبريل 2025، عن رفع أسعار البنزين والسولار، والمازوت والبوتاجاز وشملت الزيادات الجديدة جميع أنواع البنزين، حيث ارتفع سعر بنزين (95) من 17 جنيهًا إلى 19 جنيهًا للتر، وسعر بنزين (92) من 15.25 جنيه إلى 17.25 جنيه للتر، بينما زاد سعر بنزين (80) من 13.75 جنيه إلى 15.75 جنيه للتر. كما ارتفع سعر السولار من 13.50 جنيه إلى 15.50 جنيه للتر.
ولم تقتصر الزيادات على أسعار البنزين والسولار، بل شملت أيضًا أسطوانات البوتاجاز، حيث ارتفع سعر الأسطوانة المنزلية من 150 جنيهًا إلى 200 جنيه، والتجارية من 300 جنيه إلى 400 جنيه. كما صعد سعر طن الغاز الصب من 12000 إلى 16000 جنيه، في حين زاد سعر الغاز المستخدم في قمائن الطوب من 190 إلى 210 جنيهًا لكل مليون وحدة حرارية.
ووفق بيان لوزارة البترول في 11 أبريل الماضي، تستورد مصر نحو 40% من استهلاك السولار و50% من البوتاجاز و25% من البنزين، مما يكلف الدولة حوالي 366 مليون جنيه يوميًا، وهو ما يعادل 11 مليار جنيه شهريًا كدعم.
وتجري مراجعة أسعار بيع المنتجات بالسوق المحلية وفقًا لما أشارت إليه المادة الأولى لقرار رئيس مجلس الوزراء، على ألّا تتجاوز نسبة التغير في سعر بيع المستهلك 10% ارتفاعًا وانخفاضًا عن سعر البيع الساري.
وتطبق مصر آلية للتسعير التلقائي لبعض منتجات البترول منذ يوليو 2016 بعد أن تبنت برنامجًا نفذته على عدة سنوات لتحرير أسعار الوقود، وتُحدد لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية الأسعار كل 3 أشهر.