آراب فاينانس: تواجه الصناعة المصرية، موجات من التغيرات الإقليمية والجيوسياسية التي تؤثر على أدائها، وهو ما يتطلب وضع خطط لمواجهة الأزمات المرتقبة مثل الأزمات في قطاع الطاقة نتيجة تلك العوامل، فضلا عن التضخم الذي من المتوقع أن يطال أسعار المواد الخام التي ستدخل في العديد من الصناعات المصرية.. فكيف تواجه الصناعة المصرية هذه المتغيرات الدولية خاصة الحرب الإسرائلية الإيرانية؟.
تشكيل لجنة أزمات
ودفعت التداعيات السلبية للحرب الإسرائيلية الإيرانية الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، إلى تشكيل لجنة برئاسته تحت مسمى "لجنة أزمات"، بما يسهم في الاستعداد لأية مستجدات بمختلف القطاعات، على أن يجتمع مدبولي دوريًا مع أعضاء اللجنة، كما يكثف من اجتماعاته مع اللجان الاستشارية المُختلفة، بهدف بحث تداعيات الأحداث الأخيرة على مُختلف القطاعات، وذلك فق بيان رسمي.
خطة وزارة الكهرباء للتعامل مع تداعيات الأحداث الإقليمية
من جانبه قال منصور عبد الغني، المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، في تصريحات لـ آراب فاينانس إن الوزارة تعمل وفق استراتيجية تشغيل مخطط لها مع اتخاذ بعض الإجراءات، وذلك وفق الأحداث الإقليمية الجارية على الساحة حاليًا.
وأضاف عبد الغني أن خطة وزارة الكهرباء تعتمد على الاستخدام الأمثل للوقود حيث وضعت وزارة الكهرباء خطة على مدار العام الماضي تعتمد على عدة محاور أبرزها تحسين العائد على وحدة الوقود المستخدم في توليد الكيلو وات ساعة، حيث تمتلك الوزارة قدرات توليد مركبة على الشبكة تقدر بـ 60 ألف ميجا وات ومتاح منها فعليًا 45 ألف ميجا وات إذ أدت هذه الخطة إلى خفض معدل استهلاك الوقود لكل كيلو وات ساعة من 180 جرام إلى ما يقرب من 169 جرام، وهو ما أدى إلى توفير في قيمة الوقود بـ 9 مليارات جنيه خلال الستة أشهر الماضية بالتوازي مع ذلك أيضا ووفق الاستراتيجية الوطنية للطاقة يتم زيادة الاعتماد على الطاقات الجديدة والمتجددة.
وأوضح عبد الغني، أن وزارة الكهرباء نجحت في إدخال ما يقرب من ألفي ميجات وات طاقات جديدة ومتجددة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن ضمنها 300 ميجا وات أنظمة تخزين طاقة، وهذه الأنظمة تدخل مصر للمرة الأولى والتي استهدف من خلالها الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء تعظيم العوائد على الطاقات الجديدة والمتجددة، واستخدام هذه الطاقات على الشبكة الموحدة لتحقيق الاستقرار للشبكة وقت الذروة، وهى تحقق وفر في الوقود بقيمة 224 مليون دولار .
وأكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء، أن هناك خطة مستمرة لتحسين الطاقة وترشيد استهلاك الكهرباء بالتنسيق مع الجهات المختلفة من وزارات ومجتمع مدني، وتستهدف خفض إنارة الشوارع بما يعادل 30% وخفض إنارة المباني وفصل الإضاء عن الإعلانات خلال وقت الذرورة منوهًا بأن خطة الترشيد نجحت ولاقت تجاوب من المواطنين في ظل الظروف الراهنة، منوهًا بأنه لن يكون هناك عودة لخطة تخفيف للأحمال أو انقطاع للكهرباء.
فرص واعدة أمام الصناعة المصرية
بينما قال المهندس جمال عسكر، رئيس لجنة الصناعة بنقابة المهندسين إن الصناعة المصرية أمامها فرصة واعدة كبيرة للاستثمار في مجال صناعة السيارات الكهربائية خاصة أن مصر لديها اتفاقية شراكة مع أوروبا وهى الاتفاقية المعروفة بـ اتفاقية "زيرو جمارك"، وبالتالي ينبغي توطين عدد من الصناعات المرتبطة بالسيارات مثل صناعة البطاريات والإطارات ويمكن الاستفادة من الشركات العالمية لتوطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر بمكونات محلية تتجاوز 85% لافتًا إلى أن التجربة المغربية في هذه الصناعة تشير إلى نجاحات كبيرة حيث استطاعت المغرب تصدير سيارات العام الماضي بقيمة 13 مليار دولار.
وأوضح أن الصناعة المصرية تأثرت بالحرب الإسرائيلية الإيرانية خاصة مصانع الأسمدة التي تعتمد على الغاز الطبيعي المستورد من إسرائيل، وتوقف استيراد الغاز بعض الوقت بسبب الحرب الإسرائيلية الإيرانية.
ترشيد الاستهلاك للتأقلم مع تأثيرات الحرب
في حين قال المهندس محمد المهندس رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، إنه مع شدة التوتر بالمنطقة وما يحدث من تغيرات جيوسياسية تعمل الصناعة المصرية على ترشيد استهلاكها من الطاقة كما تركز على الصناعات ذات الأولوية.
وأضاف المهندس أن قطاع الصناعة يعمل في مصر حاليًا وفق المتاح مشددًا على أنه لم يحدث أي توقف لمصانع مصرية وتعمل المصانع حاليًا دون توقف لافتًا إلى ضرورة الحد من الواردات بقدر الإمكان وزيادة الصادرات.
تحديات تواجه الصناعة المصرية نتيجة الصراع الإسرائيلي الإيراني
من جانبه قال الدكتور عبد العاطي لاشين أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة السويس إن الصناعات المصرية تواجه تحديات حتى من قبل الصراع الإسرائيلي الإيراني، ومن هذه التحديات أن مستوى جاذبية الأسواق المصرية للاستثمارات أقل من المستوى المستهدف، وهذا يرجع لمجموعة من الأسباب قد يكون منها عدم قيام الحكومة بمجموعة من الإجراءات اللازمة للجذب، وقد يكون منها أن الإجراءات الحالية للحكومة للجذب تنصب على الجانب الكمي وليس على الجانب الكيفي، فمثلا الخريطة الاستثمارية موزعة كميًا وليس كيفيا. ويصبح في كل الأحوال التوصية بان تلجأ الحكومات إلى المتخصصين في مجال الاستثمار من كليات الاقتصاد والتجارة وإدارة الاعمال، ولو على سبيل الاستماع لوجهات نظر متخصصة حيث إن الاستثمار أصبح علم.
وأضاف لاشين أن الصراع الإيراني الإسرائيلي له عدة سيناريوهات، منها سيناريو الإغلاق السريع ومنها سيناريو الإغلاق البطيء، ومنها سيناريو الاتساع الممتد جغرافيا وزمنيا ويعد أسوأ السيناريوهات هو الاحتمال الأخير وهو (الاتساع الجغرافي والامتداد الزمنى) حيث سيكون احتمال إغلاق منفذي هرمز وباب المندب له آثار كارثية على إيرادات قناة السويس ولكن تحمل فرصة لاستعداد مصر لتكون بديل في سلاسل الإمداد والتموين العالمية، حيث هي الأقرب من شرق أسيا لأوروبا وعدم وجود مضايق أمام اللوجستيات من مصر إلى اوروبا وغرب أسيا، وقد تكون هذه أهم الفرص التي تحتاج للاستعداد لها.
وأوضح لاشين أنه لا تستطيع أى حكومة في العالم أن تعمل بمفردها، وهى تحتاج إلى ظهير شعبي مثقف واع مقتنع وداعم، فرفع الوعي الشعبي والثقافة الوطنية بالسيناريوهات المحتملة ودور المواطنين في التصدي لكل منها هي أولوية حكومية واجبة، على سبيل المثال تثقيف المواطنين لتكون مصر بلدًا سياحيا من الطراز الأول، واختفاء بعض مظاهر السلوكيات العشوائية في العديد من المواقف و المناطق السياحية، بما يمكن من جعل مصر سوقًا سياحية دولية.
وشدد لاشين على ضرورة الاهتمام بالصناعات البتروكيماوية مع زيادة السعي لمساعدة ليبيا على التعافي وإجراء شراكات في المنتجات البترولية والبتروكيماوية مع أيضًا زيادة إجراءات الحكومة في رفع كفاءة الأسواق والبورصات.
وأظهر التقرير السنوي لهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة لعام 2024، والذي حصل "آراب فاينانس" على نسخة منه أن إجمالي القدرات المتجددة المركبة 7.7 جيجاوات، منها 2.2 جيجاوات طاقة رياح تمثل 28 ? ، بينما تشـارك الطاقـة الشمسـية بنسـبة 36 ? لتتجـاوز قدراتهـا 2.8 جيجـاوات، فـي حيـن تشـارك الطاقـة المائية بقدرات إجمالية تصل إلى 2.8 جيجاوات بنسبة 36 %.
وخصصت الدولة أكثر من 43 ألف كيلومتر مربع لاستيعاب مشروعات الطاقة المتجددة، لأغــراض انتــاج الكهربــاء وخفــض الطلب علــى الوقــود الأحفــوري، وكذلــك لإنتــاج الهيدروجيــن الأخضر ومشتقاته، سواء للسوق المحلي أو للتصدير للخارج. وفق ذات التقرير.
وقـد شـهدت مصـر حسب التقرير تقدمًا كبيـرا فـي مشـروعات طاقـة الرياح خـلال عـام 2024 حيث تم الاسـتفادة من المواقـع الاسـتراتيجية التـي تتمتـع بسـرعات ريـاح عاليـة، خاصـة فـي منطقـة خليـج السـويس، حيـث تم البدء في التشغيل التجاري لمحطة رياح مملوكة للهيئة بقدرة 252 ميجا وات في خليج السويس وكذلك دخــول المرحلــة الأولــى مــن مشــروع محطــة البحــر الأحمــر لطاقــة الريــاح، المملــوك لتحالــف دولــي، بقدرة 306 ميجا وات وذلك في منطقة خليج السويس أيضا كما تم البدء خلال عام 2024 في تشغيل محطتي أكوا باور وآبيدوس 1 بإجمالي قدرات 700 ميجا وات وقدرة بطاريات تبلغ حوالي 300 ميجا وات/ ساعة.
وتخطط مصر لإنشاء مشروعات طاقة متجددة تابعة للقطاع الخاص لإضافة قدرات تصل إلى 17.3 جيجاوات، حيث من المخطط إضافة 5.8 جيجاوات من مشروعات الطاقة الشمسية، و11.54 جيجاوات من مشروعات طاقة الرياح.
مستهدفات الحكومة من قطاع الطاقة
وتستهدف الحكومة المصرية أن يتكون مزيج الطاقة المصري بحلول عام 2035 من 55 % محطات حرارية، و2% طاقة كهرومائية، و26 % من الطاقة الشمسية، % من طاقة الرياح، و3% من الطاقة النووية، وفقاً لذات التقرير.
ولدى مصر أكثر من مشروع لإنتاج الطاقة المتجددة منها محطة الطاقة الشمسية في (بنبان) بأسوان، التي تولّد 1465 ميجاوات بتقنية الخلايا الكهروضوئية، والمحطة الشمسية الحرارية بالكريمات بقدرة إجمالية تبلغ 140 ميجاوات، ومحطة طاقة الرياح في جبل الزيت بالبحر الأحمر، التي تصل قدرتها الإجمالية إلى 580 ميجاوات، ومحطة طاقة الرياح في خليج السويس، إلى جانب محطة الضبعة للطاقة النووية في مطروح، بقدرة متوقعة 4800 ميجاوات.
ووفق الموقع الرسمي لوزارة البترول المصرية تمثل منطقة البحر المتوسط النصيب الأكبر من إنتاج الغاز الطبيعي بمصر بنسبة 62%.
وقفزت واردات الغاز الطبيعي لمصر خلال العام الماضي 2024 بنسبة 103.3%، لتصل إلى 4.90 مليار دولار، مقابل 2.41 مليار دولار خلال عام 2023، بزيادة 2.48 مليار دولار، وفقًا لنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
ووفق أحدث تقرير للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2025 بلغ إجمالي الاستهلاك النهائي للطاقة 58646 ألف طن مكافئ نفط، حيث احتل القطاع الصناعي المرتبة الثانية ، وكان الإستهلاك وفقاً للقطاع كالأتي استهلاك قطاع النقل هو الأعلى بنسبة 38?، وكان استهلاك قطاع الصناعة بنسبة 27? و قطاع المنازل بنسبة 21? وأخيراً قطاعات أخرى بنسبة 14? وتتضمن التجارة والخدمات والزراعة والمنشآت الحكومية.