آراب فاينانس: تعيش مصر وسط اضطرابات إقليمية متتالية، بدأت بـ الحرب الإسرائيلية على غزة، وتواجه حاليًا تأثيرات الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران والتي من غير المعلوم موعد إنتهائها ما يثير الكثير من التساؤلات حول تأثر الاقتصاد المصري بذلك، وهو الاقتصاد الذي يحاول أن يجد موضع قدم للاستقرار في ظل تلك الأوضاع الملتهبة والمحيطة به سواء فيما يتعلق بالاضطرابات بالبحر الأحمر نتيجة الوضع في اليمن، وتأثر الملاحة بقناة السويس نتيجة ذلك أو نتيجة ما يحدث حاليًا من الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ومدى تأثيرها على قطاعات عديدة أبرزها السياحة وقناة السويس وبالطبع الطاقة وأسعارها.
التأثيرات السلبية للحرب على الاقتصاد المصري
من جانبه قال محمد رضوان رئيس مجلس إدارة شركة إيه إف لتداول الأوراق المالية في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن البورصات تعد من أكثر المؤسسات التي تتأثر بالحروب، وعدم الاستقرار لأنها تعتمد في الحقيقة على الأموال السائلة بخلاف الأصول الثابتة التي تكون أكثر استقرارًا.
وأكد رضوان، أن موجة البيع التي تمت بالبورصة المصرية خلال اليومين الماضيين ترجع للعامل النفسي والخوف والرغبة في الربح السريع سواء من جانب أفراد أو مؤسسات مالية محلية أو أجنبية، خاصة مع صعود السوق خلال الفترة الماضية، وهو ما خلق حالة من الارتياح لعملية البيع، وتحقيق مكاسب وذلك للخروج بأقل الخسائر، وهو ما حدث في البورصة فضلا عن خروج بعض الأموال الساخنة من السندات الحكومية المصرية خصوصًا من الأجانب الذين يتخوفون من هبوط العملة المصرية.
وحول أبرز القطاعات التي ستتأثر بالحرب الحاصلة حاليًا بين إسرائيل وإيران أكد رضوان أن السياحة المصرية من أبرز تلك القطاعات التي ستتأثر وكذلك قطاعي الطاقة والبتروكيماويات والعقارات، وإن كان قطاع البنوك سيكون الملاذ الآمن للبعض وهناك من سيفضل أن يكون خارج السوق في ظل هذه الأوضاع المضطربة لحين هدوء واستقرار الأمور.
واختتم رضوان حديثه قائلًا إنه من الممكن تحويل الأزمات إلى فرص من خلال وجود فرص استثمارية كبيرة متاحة بأسعار زهيدة للغاية لمن يملكون نظرة مستقبلية وشجاعة ومخاطرة للاستثمار في هذا التوقيت وهؤلاء سيكون لهم فرص في عوائد مربحة بعد استقرار الأوضاع.
التأثير على موارد النقد الأجنبي
من جانبه قال الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، والخبير في الشؤون الإيرانية، في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إنه من المؤكد أن الحرب الإسرائيلية على إيران ستؤثر على اقتصاديات الشرق الأوسط، بما في ذلك الاقتصاد المصري الذي يعتمد أساسًا على موارد النقد الأجنبي من عوائد قناة السويس، كأحد المدخلات المهمة بميزانية الدولة، فضلا عن تأثر الاقتصاد المصري بارتفاع أسعار الطاقة خاصة أن مصر تستورد النفط من الخارج، حيث قفزت أسعار النفط لأسعار مرتفعة بعد هذه الحرب الإسرائيلية على إيران، وهو ما سيؤدي إلى تضرر الموازنة المصرية المقبلة، كما تؤكد المؤشرات ارتفاع أسعار النفط داخليًا في مصر خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أبو النور، أن رؤية الاقتصاد المصري تقوم على أن الاستقرار والتهدئة في الشرق الأوسط يخدم المصالح المصرية، والعكس بالطبع يؤدي إلى مشاكل اقتصادية في مصر خاصة في حركة الأسواق لاسيما أن إسرائيل وإيران دولتان لهما موقع مهم بالشرق الأوسط.
وأكد أبو النور، أنه في حالة استمرار الحرب الإسرائيلية الإيرانية لمدى أطول فستكون التداعيات كارثية على الاقتصاد المصري، خاصة لو أقدمت إيران مثلًا على إغلاق مضيق هرمز مما سيؤدي إلى تباطؤ حركة الملاحة من الخليج العربي لجنوب البحر الأحمر ثم قناة السويس، فضلًا عن أن هناك تعاملات تجارية كبيرة وتحويلات مالية، فضلا عن تأثر حركة الطائرات من وإلى مصر، وهو ما سينعكس بالسلب على الاقتصاد المصري، والذي هو في احتياج كبير للمزيد من الاستقرار بالشرق الأوسط وليس في حاجة لفتح جبهات وحروب في هذا الإقليم.
4 قطاعات حيوية في مصر ستتأثر بالحرب
بينما طالب الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، بضرورة اجتماع الحكومة المصرية للتعامل الفوري مع المتغيرات الحالية، خاصة توفير المنتجات والسلع الأساسية للمواطنين بأسعار مناسبة.
وأوضح عبده، أن هناك 4 قطاعات حيوية ستتأثر في مصر نتيجة هذه الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وهو قطاع السياحة حيث من المتوقع أن يتأثر عدد السائحين الوافدين لمصر نتيجة هذه الاضطرابات بمنطقة الشرق الأوسط، ومن المعلوم أن مصر تعتمد اعتماد كبير على السياحة في توافر النقد الأجنبي والعملة الصعبة.
وأكد عبده، أن القطاع الثاني الذي سيتأثر في مصر نتيجة هذه الحرب هو قطاع الطاقة وأسعار البترول والغاز الطبيعي حيث كانت تستورد مصر الغاز الطبيعي من إسرائيل، وهو ما توقف حاليًا نتيجة الحرب الدائرة الآن ما سيدفع مصر لاستيراده من منافذ أخرى، وهو ما سيكلف ميزانية الدولة فاتورة أكبر خاصة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالميًا نتيجة ما يحدث من توترات بالشرق الأوسط.
وأشار الخبير الاقتصادي، أن القطاع الثالث الذي سيتأثر هو أسعار الذهب نتيجة إقبال المستثمرين والمستهلكين على شرائه كملاذ آمن للاستثمار في ظل هذه الأوضاع المضطربة، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعاره خلال الفترة المقبلة، بينما سيتأثر قطاع الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة على المدى الطويل في مصر نتيجة تلك الأحداث، حيث أن رأس المال يبحث دائمًا عن الاستقرار، والعمل في بيئة مستقرة، وفي حالة استمرار هذه الحرب فهذا لن يشجع على الاستثمار بمنطقة الشرق الأوسط وبالطبع منها مصر.
توقعات بعودة تخفيف الأحمال
من جانبه كشف النائب محمد عوض، أمين سر لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، لـ آراب فاينانس عن أنه يتوقع قيام الحكومة بالعودة لخطة تخفيف الأحمال مرة أخرى نتيجة تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية على قطاع الطاقة في مصر.
وأضاف عوض، أن أسعار الغاز والطاقة ستتأثر بالطبع في مصر نتيجة ما يحدث من حرب بالمنطقة بين إيران وإسرائيل مشيرًا إلى أنه في حالة قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز ستكون هناك مشكلة كبرى نتيجة نقص الإمدادات كما سيؤثر ذلك على قناة السويس ومرور السفن بها فضلا عن تأثر البترول القادم من الخليج.
وأوضح عوض، أن الحكومة ممثلة بوزارة الكهرباء والطاقة تتعامل حاليًا بخطة طوارئ تم وضعها مسبقًا من خلال زيادة كميات المازوت في تشغيل محطات الكهرباء بدلًا من الغاز الطبيعي نتيجة نقص الإمدادات الحاليه منه.
بينما قال الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي، وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، إن أسعار العقود الآجلة لخام برنت ارتفعت لتصل لنحو 75 دولار للبرميل بنسبة 7% بعد الحرب الإسرائيلية الإيرانية وستحدد مساره وفقًا للسيناريوهات المستقبلية لهذه الحرب والتوترات بمنطقة الشرق الأوسط.
مخاوف من إعاقة الملاحة بمضيق هرمز
وأكد جاب الله، أن المشكلة الحقيقية تتمثل في حال تعرض مضيق هرمز لإعاقة الملاحة، وكذا تعرض الملاحة في مضيق باب المندب للإعاقة عن طريق الحوثيين في اليمن، هنا ستشتعل أسعار البترول، وغيره من عناصر الانتاج.
وأوضح جاب الله، إلى أن التوقعات تشير لـ حدوث ارتفاعات قياسية في تكاليف النقل والتأمين مما يدفع نحو ارتفاع عالمي لأسعار السلع والمنتجات ومُستلزمات الانتاج. كما تُشير التوقعات أيضًا إلى ارتفاع عالمي في تكاليف التمويل، وتراجع شهية المُستثمرين في القطاعات الانتاجية، واتجاه رؤوس الأموال إلى الملاذات الأمنة، وحدوث تخارج تدريجي لاستثمارات الأجانب في الديون الحكومية حال تصاعد الصراع.
وأكد جاب الله أن الاقتصاد المصري سيتأثر خاصة في مجال الطاقة حيث أن سعر البترول في الموازنة العامة هو 75 دولار للبرميل، وكل زيادة في أسعاره، أو أسعار الغاز في السوق العالمية تُزيد الأعباء على مصر، وتعمل الحكومة حاليًا على تشجيع جذب المُستثمرين في مجال التنقيب، والبحث عن أفضل المسارات والأقل تكلفة لتدبير احتياجاتها.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن مصر تواجه تحديات لتدبير احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وقد قامت مصر في مايو الماضي بالتوجه إلى أسواق متعددة لتدبير احتياجاتها من الغاز، ومن ذلك توقيع مصر عقودًا طويلة الأجل لتوريد الغاز من قطر، وكذلك تعاقد مصر مع وحدات لتسييل الغاز المُستورد وكان أخرها الوحدة الثالثة لمُعالجة واردات الغاز التي وقعت مصر عقد اسئجارها في منتصف مايو الماضي.
ونوه بأن هناك مخاوف من اضطراب سلاسل الإمداد للسلع والخامات ومستلزمات الانتاج مع ارتفاع تكاليف النقل والتأمين، مما يتسبب في مزيد من ارتفاع اسعار معظم السلع المستورد كما أن استمرار توترات البحر الأحمر ستؤثر بالسلب على ايرادات قناة السويس فضلًا عن أن هناك مخاوف من تردد المُستثمرين الأجانب في المضي في جداولهم الزمنية بشأن استثماراتهم في المنطقة، كما أن هناك مخاوف من خروج لاستثمارات الأجانب في الديون الحكومية حال استمرار العمليات العسكرية الحالية.
كما أكد جاب الله أن هناك مخاوف من تراجع عائدات السياحة، في الوقت الذي تستعد فيه مصر لافتتاح المتحف المصري الكبير، وإن كان مسار تطوير الساحل الشمالي كوجهة سياحية سيساهم في الحد من تلك الآثار السلبية المُحتملة.
وأخيرًا، توقع جاب الله قيام لجنة السياسة النقدية للبنك المركزى المصرى بتأجيل مسارها فى خفض أسعار الفائدة، وهو ما كان يأمله المسستثمرين لخفض تكلفة التمويل، مشيرًا إلى أنه يتصور أن الأمر سيقتصر عند تثبيت سعر الفائدة خلال الاجتماع المقبل للجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي لحين التحقق من الأفق المُستقبلي.
وأعلنت الحكومة عن عدة إجراءات لمواجهة تداعيات الحرب الإسرائيلية الإيرانية حيث شدد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، على أن الحكومة المصرية تتابع تطورات هذا النزاع بشكل لحظي ودقيق لمواجهة تداعياته المحتملة على الداخل المصري، ومواكبة تأثيراته الإقليمية المتوقعة في مختلف القطاعات.
وأوضح رئيس الوزراء أن هناك تنسيقًا مباشرًا ومكثفًا بين محافظ البنك المركزي، حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، من أجل اتخاذ إجراءات استباقية تضمن تعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية والمتنوعة، بهدف حماية السوق المصري من أية اضطرابات محتملة قد تنتج عن الوضع الأمني المتدهور في المنطقة.
خطة حكومية لمواجهة تداعيات الحرب بين إيران وإسرائيل
أشار مدبولي إلى أنَّ الحكومة تستعد لجميع السيناريوهات، حيث تم عقد اجتماع رفيع المستوى مع وزيري الكهرباء والبترول، وذلك لبحث الآثار المحتملة للأحداث الجارية على قطاعي الطاقة والوقود، واستعراض خطط الطوارئ والجاهزية للتعامل مع أي تطورات قد تؤثر على إمدادات الطاقة أو حركة التجارة الدولية.
ويأتي هذا التحرك الحكومي في ضوء توقعات بحدوث تأثيرات اقتصادية إقليمية مباشرة نتيجة تصاعد الصراع بين طهران وتل أبيب، خاصة فيما يتعلق بأسواق الطاقة، وخطوط الملاحة، وتدفقات السلع الاستراتيجية، بما يستلزم استعدادًا مصريًا شاملًا لضمان استقرار السوق المحلي وتأمين احتياجات المواطنين من السلع الحيوية.