آراب فاينانس: يشهد السوق العقاري في مصر حاليًا، العديد من السياسات من جانب شركات العقارات منها ما هو متعلق بطول فترات السداد حيث تجاوزت في بعض الأحيان الـ 15 عامًا، حيث يمثل هذا التوجه عاملًا رئيسيًا في تشكيل المشهد العقاري.
وأكد خبراء تحدثوا مع آراب فاينانس أن هذا التوجه المتعلق بطول فترات السداد يمكن أن يكون له مخاطر عديدة مثل المخاوف المتعلقة باستدامة التدفقات النقدية للشركات المطورة على المدى الطويل، وإمكانية تضخم الأسعار بسبب تزايد الطلب غير المدعوم بزيادة حقيقية في القوة الشرائية الفورية، بالإضافة إلى مخاطر التخلف عن السداد، وكذلك عدم الالتزام بمواعيد تسليم الوحدات العقارية للعملاء.
من جانبه قال الدكتور محمد عبد الجواد، رئيس مجلس إدارة شركة فانتدج للتنمية العمرانية في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن الأرقام الأخيرة تؤكد أن السوق العقاري المصري ما زال يتمتع بزخم واضح؛ فالمبيعات خلال النصف الأول من 2025 ارتفعت بأكثر من 25% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، ورغم أن عام 2024 شهد أعلى عدد معاملات بيعية في تاريخ السوق، فإن القيمة الإجمالية للمبيعات تميل لصالح 2025 نتيجة الزيادات السعرية الكبيرة المدفوعة بالتضخم.
تباطؤ سوق العقارات في مصر
لكن في المقابل، وحسب عبد الجواد فالسوق بدأ يشهد تباطؤًا نسبيًا في الطلب، خاصة من شريحة المستثمرين الأفراد، مع تراجع القدرة الشرائية وارتفاع مستويات الأسعار بصورة غير مسبوقة. كما يظهر تباين واضح بين الشركات؛ فالمطورون الكبار يستمرون في تحقيق نتائج قوية، بينما يواجه اللاعبون المتوسطون والصغار تحديات أكبر في المبيعات والسيولة.
ويتفق مع هذه الرؤية المهندس فتح الله فوزي الخبير العقاري ومؤسس شركة مينا للاستثمار العقاري الذي يشير إلى أن الشركات العقارية المقيدة في البورصة تشير بياناتها إلى تحسن وتطور في مستوى حجم المبيعات، بينما الشركات الصغيرة تعاني من تباطؤ في نمو القطاع، وعدم تحقيق المستهدف لها، موضحًا أن هذه الشركات الصغيرة لديها أزمات تتعلق بالتأخر في تسليم الوحدات العقارية لعملائها، إلى جانب أن تقسيط المبالغ المستحقة على فترات تصل إلى 15 عامًا قد يعرضها لعجز في التدفقات المالية للشركة.
ويستكمل عبد الجواد حديثه قائلًا: إنه على الرغم من أن السوق حقق في 2024 مبيعات قياسية تجاوزت 2 تريليون جنيه، فإن الحفاظ على هذا المستوى في 2025 أصبح أكثر صعوبة، فكثير من المطورين اضطروا إلى تقديم فترات سداد طويلة تمتد إلى 12–15 سنة، ما يعني تحملهم عبئًا تمويليًا ضخمًا لفترات طويلة، ويزيد من حساسية ميزانياتهم للتغيرات الاقتصادية.
تحديات السوق العقاري
ويوضح عبد الجواد أن التحدي الأكبر اليوم هو التمويل فمعظم المطورين يعتمدون على الموارد الذاتية وتدفقات العملاء كمصدر رئيسي للتمويل، في غياب أدوات تمويل عقاري موجهة للمطورين، وهذا ينعكس مباشرة على وتيرة التنفيذ، حيث تمتد دورة المشروع إلى 5 و6 سنوات، بينما كان يمكن اختصارها إلى 2–3 سنوات فقط إذا توفرت أدوات تمويل احترافية ومنخفضة التكلفة.
كما يشير عبد الجواد إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة يشكل تحديًا إضافيًا، لأنه يرفع تكلفة التطوير ويؤثر على أسعار البيع، خاصة مع أنظمة السداد الطويلة التي تتطلب قدرة مالية أعلى من جانب المطوّر، وباختصار، السوق ما زال قويًا ومدعومًا بالطلب الحقيقي، لكنه يواجه تحديات جوهرية تتعلق بالتسعير، والتمويل، وتكاليف التنفيذ، واستدامة المبيعات على المدى المتوسط.
بينما يرى فوزي أن طول فترة السداد وزيادة مدة تسليم الوحدات العقارية من شأنه أن يؤدي إلى تأثر الشركات العقارية الصغيرة نتيجة متغيرات السوق والتضخم بينما سيكون لدى الشركات العقارية الكبرى قدرة على مواجهة الصدمات الاقتصادية وحالة الركود التي تتسم بها المرحلة الحالية للسوق العقاري في مصر.
ويضيف أن الشركات العقارية المقيدة في البورصة تشير بياناتها إلى تحسن وتطور في مستوى حجم المبيعات، بينما الشركات الصغيرة تعاني من تباطؤ في نمو القطاع، وعدم تحقيق المستهدف لهذه الشركات العقارية، موضحًا أن هذه الشركات الصغيرة لديها أزمات تتعلق بالتأخر في تسليم الوحدات العقارية لعملائها، إلى جانب أن تقسيط المبالغ المستحقة على فترات تصل إلى 15 عامًا قد يعرضها لعجز ومخاطر في التدفقات المالية للشركة.
ويختلف عبد الجواد مع هذه النظرة التي يراها فوزي حيث يرى أن فترات السداد الطويلة وسياسات التسليم الممتدة ليست بالضرورة مخاطرة في حد ذاتها، لكنها تتطلب إدارة دقيقة من الشركات، فهي أدوات تمويلية تلجأ إليها السوق لدعم القدرة الشرائية، لكن أهم ما في الأمر هو قدرة المطوّر على تحقيق التوازن بين المرونة المالية والحفاظ على معدلات تنفيذ قوية.
وأكد أن المخاطر المحتملة تظهر عندما لا يكون هناك تخطيط واضح للتدفقات المالية أو عندما تعتمد بعض الشركات بشكل مفرط على المبيعات المستقبلية دون وجود ملاءة مالية كافية. لذلك، التحدي ليس في طول الفترة نفسها، بل في مدى التزام الشركات ببرامج التنفيذ، وامتلاكها لقدرة تشغيلية ومالية ثابتة، ومن جانبنا، نعتبر أن الحل الأمثل هو الالتزام بجداول تنفيذ حقيقية ومدعومة بإدارة مالية منضبطة، بحيث يستفيد العميل من التسهيلات دون التأثير على جودة المشروع أو موعد تسليمه.
وفيما تيعلق بتأثير سعر الفائدة على السوق العقاري شدد فوزي على أن هناك تأثير إيجابي كبير على القطاع العقاري، نتيجة الانخفاض المتكرر لـ سعر الفائدة حيث سيساهم ذلك في تخفيض تكاليف التمويل مما يؤدي إلى تنشيط السوق العقاري وضخ مزيد من الاستثمارات به.
وأكد فوزي على ضرورة قيام الشركات العقارية بالالتزام بمواعيد تنفيذ الوحدات لكسب ثقة العملاء، وعدم القيام بمخالفات في التسليم يمكنها أن تتسبب في حدوث أزمات بالقطاع العقاري.
ماذا يحتاج السوق العقاري المصري؟
وينوه عبد الجواد أن أبرز ما يحتاجه السوق اليوم هو إعادة النظر في منظومة التمويل، إذ نحن بحاجة إلى أدوات تمويلية موجهة للمشروعات تحت التنفيذ، شبيهة بالآلية التي كانت تعمل قبل 2008 من خلال البنوك، لكنها توقفت مع الأزمة المالية العالمية، وبعد مرور 17 عامًا، أعتقد أن الوقت مناسب لإعادة إحياء هذه الآلية، ولكن في إطار تشريعي محكم يحدد بوضوح معايير اختيار المشروعات المؤهلة للحصول على التمويل، لأن مثل هذا التوجه سيعطي دفعة قوية للمطورين لتسريع التنفيذ، ويعزز ثقة العملاء في الالتزام بمواعيد التسليم.
ويلخص عبد الجواد المشهد العقاري في مصر خاصة ما يتعلق بالمناطق الأكثر جذبًا والأنماط العقارية الأكثر طلبًا فيوضح أننا لدينا في مصر المناطق الساحلية مثل الساحل الشمالي والبحر الأحمر والتي تُعد الأكثر ملاءمة للمشروعات الفندقية والسياحية، مع عوائد استثمارية تصل إلى 12%، ويقود الطلب هنا شريحة الباحثين عن الاستثمار السياحي والسكن الترفيهي.
كما يشهد العقار التجاري في المناطق الحضرية الرئيسية ارتفاعًا في الطلب، خاصة في المواقع التي تمتاز بكثافة سكانية وحركة تشغيل عالية، مع عوائد قد تصل إلى 14% وتتمثل الفئات الأكثر نشاطًا في المستثمرين الباحثين عن دخل ثابت حسب عبد الجواد.
بينما أصبح العقار الإداري بـ شرق القاهرة شبه مكتمل في القاهرة الجديدة، في الوقت الذي تمثّل العاصمة الإدارية الجديدة الامتداد الطبيعي للأعمال والمقرات الإدارية الجديدة، ويقود الطلب الشركات الناشئة والمؤسسات التي تنتقل لمواقع أكثر تنظيمًا.
وأضاف عبد الجواد أنه فيما يتعلق بالعقار السكني فتشهد منطقة غرب القاهرة تطورًا متسارعًا في الشيخ زايد و6 أكتوبر، مع توسّع ملحوظ نحو زايد الجديدة ومدينة سفنكس، ويقود الطلب هنا الشباب والعائلات الباحثة عن جودة حياة ومجتمعات مخططة، أما الأهم، فهو أن المحافظات تمثل فرصة حقيقية غير مستغلة بعد بالشكل المطلوب حيث هناك طلب قوي على مشروعات متكاملة بمعايير حديثة، وهو ما نعمل عليه في مشروعنا الجديد لتقديم منتج يناسب هذا الطلب المتنامي.
أهمية صناديق الاستثمار العقاري
وأخيرًا يشدد عبد الجواد على أهمية صناديق الاستثمار العقاري موضحًا أنها تلعب دورًا مهمًا في توفير سيولة للمطورين وتوسيع قاعدة المستثمرين، خاصة مع التوجه نحو الملكية الجزئية التي ما زالت في بدايتها بالسوق المصري رغم نجاحها عالميًا، وهذه الآلية تتيح للمستثمرين الدخول بمبالغ أقل، وتفتح المجال لشريحة جديدة لم تكن قادرة على شراء وحدات كاملة، مما يرفع معدلات الاستثمار العقاري ويعزز السيولة، لكن التحدي الأكبر في تنمية هذا النوع من الصناديق هو خبرة مدير الصندوق وقدرته على إدارة الأصول، واختيار العملاء، وضمان جودة الصيانة وتوقيت التخارج. فنجاح الصندوق يعتمد بدرجة كبيرة على الاحترافية في الإدارة، وليس فقط على حجم الأصول أو الطلب في السوق.
ووفق بيان رسمي لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي فقد حقق نشاط التشييد والبناء، نموًا مُوجبًا خلال عام 24/2025 بلغ 4.1%.
وفيما يتعلّق بمواد البناء؛ شهِدت مبيعات الأسمنت ارتفاعًا بنسبة 10.7%خلال العام الـمالي 24/2025 لتصِل إلى 44.8 مليون طن مُقارنة بـ 40.5 مليون طن خلال العام الـمالي السابق، حيث ارتفعت أيضًا مبيعات الحديد بنسبة 1.6% إلى 6.9 مليون طن خلال عام 24/2025 مُقارنة 6.8 مليون طن خلال عام 23/2024.
وأوضحت بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي أن نشاط التشييد والبناء حقّق نموًا خلال الربع الرابع من العام المالي بلغ نحو 3.2%، وفيما يتعلّق بمواد البناء؛ فقد شهِدت مبيعات الأسمنت ارتفاعًا بنسبة 18.6% لتصِل إلى 10.5 مليون طن خلال هذا الرُبع مُقارنة بـنحو 8.9 مليون طن خلال الرُبع الـمُقابل من العام الـمالي السابق، كما ارتفعت أيضًا مبيعات الحديد بنسبة 1.6% إلى 1.53 مليون طن خلال الرُبع الرابع من العام الـمالي 24/2025 مُقارنة ب 1.51 مليون طن خلال الرُبع الـمُناظِر من العام الـمالي السابق.