آراب فاينانس: أكد اقتصاديون، ومسئولون حكوميون، خلال الجلسة الأولى لـ مؤتمر جريدة حابي السنوي السابع، والتي جاءت بعنوان "نظرة القطاع الخاص لبيئة ممارسة الأعمال في مصر" على أهمية تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد المصري، مما يعزز تعميق التصنيع المحلي وزيادة الصادرات وتحسن في معدلات النمو الاقتصادي.
القطاعات الاستثمارية الواعدة في مصر
ومن جانبه قال أيمن سليمان المؤسس والشريك التنفيذي لشركة مورفو للاستثمارات والرئيس التنفيذي السابق لصندوق مصر السيادي، إن هناك عدة قطاعات واعدة للاستثمار في مصر أبرزها القطاعات كثيفة الطاقة والتي تتميز فيها مصر بمزايا نسبية منوهًا بأن القطاع الزراعي سيمتلك أيضًا فرصًا حقيقية خلال العام المقبل باعتباره أبرز القطاعات الساخنة للاستثمار ونقطة الانطلاق الحقيقية لسلاسل القيمة المتكاملة.
وأضاف سليمان أن هناك فرصًا واعدة كذلك في القطاعات التصنيعية مثل الصناعات الكيماوية و التحويلية التي تعتمد على تعميق المكون المحلي ورفع القيمة المضافة.
وشدد على أن دور الدولة يجب أن يكون داعمًا ومحفزًا في القطاعات الاستثمارية، وتقليل المخاطر أمام القطاع الخاص، خاصة في المراحل الأولى للاستثمار.
وأشاد سليمان بدور الشركات العائلية في مصر ودورها في التنمية الاقتصادية في مصر، لافتًا إلى أهمية تعاون الحكومة مع القطاع الخاص خاصة في المشروعات الكبرى منوهًا إلى نموذج التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في سد تنزانيا، وهو مشروع ضخم جارٍ تنفيذه هناك.
وأكد سليمان على أن العالم يشهد حاليًا تحولًا تدريجيًا في مراكز الإنتاج من آسيا إلى أفريقيا، وربما أمريكا الجنوبية، في امتداد لتحولات تاريخية شهدها الاقتصاد العالمي خلال القرن الماضي، مشددًا على أن هذه اللحظة تمثل فرصة ذهبية لمصر لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للإنتاج والتصدير، شرط وضوح الرؤية وسرعة اتخاذ القرار.
الخدمات المصرفية تشهد تطورًا ملحوظًا
ومن جانبه قال يحيى أبو الفتوح، نائب رئيس البنك الأهلي المصري، إن إدارة البنك تلمس بشكل واضح توجه العديد من الشركات للتوسع في أنشطتها ومشروعاتها، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى تنشيط الطلب على الحصول على قروض بنكية لتمويل هذه التوسعات في عدد واسع من القطاعات ومن بينها الصناعات التحويلية والخدمات.
وأضاف أبو الفتوح، أن ما تحقق خلال السنوات الماضية في قطاع المقاولات أسهم في بناء قدرات كبيرة للشركات المصرية، وفتح أمامها آفاقًا واسعة للتوسع الخارجي.
وأشار نائب رئيس البنك الأهلي المصري إلى أن شركات المقاولات المصرية باتت تحظى بطلب متزايد في عدد من الأسواق الإقليمية والدولية، من بينها الدول الأفريقية.
وفيما يتعلق بتحويلات المصريين العاملين بالخارج، قال أبو الفنوح إنها تمثل ميزة مهمة للاقتصاد المصري.
وأشار إلى أن استقرار الأسواق انعكس إيجابًا على النشاط الائتماني، لافتا الى أن تراجع معدلات الفائدة أمر مهم لصالح النشاط الاقتصادي.
وأكد نائب رئيس البنك الأهلي المصري أن القطاع المصرفي مستمر في دعم مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، بما يعزز النمو الاقتصادي المستدام.
وقال إن البنك الأهلي يستعد خلال الفترة المقبلة للتوسع في طرح مجموعة متنوعة من المنتجات المصرفية الموجهة للمصريين المقيمين بالخارج، بهدف تلبية احتياجاتهم المالية.
وأضاف أن الإقبال من المصريين بالخارج على الخدمات المصرفية في تزايد، خاصة في ظل المزايا التي توفرها هذه المنتجات، مثل بعض الشهادات الادخارية بالعملة الأجنبية.
ونوه بأن مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة 5% لعبت دورًا مهمًا خلال السنوات الماضية في تمكين عدد كبير من العملاء من التوسع وتنمية أعمالهم، ليصبحوا مشروعات متوسطة بعدما كانوا صغيرة.
وأوضح أن المبادرات التي دشنتها الحكومة فيما يتعلق بأسعار الفائدة أحدثت فارقًا ملموسًا في إتاحة التمويل على نطاق أوسع، كما استفاد منها عدد كبير من العملاء.
وأكد أنه في ظل استقرار سعر الفائدة وهبوطها، يعد التمويل متاحًا في البنوك المختلفة مضيفًا أن البنوك تركز على دعم المشروعات الجادة والأفكار القابلة للنمو.
ولفت إلى أن شركة الأهلى للصرافة تعمل بصورة جيدة، مشيرا إلى أن الإقبال على شركات الصرافة يسير بشكل جيد في الفترة الراهنة.
وأشار، إلى الدور الذي يلعبه حاليًا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الاقتصاد الأمريكي والمتمثل في فتح مجالات أوسع للشركات وتمكينها من التوسع لتكون قاطرة لدفع الاقتصاد .
الصادرات المصرية تواجه العديد من التحديات
ومن جانبه أكد محمد قاسم، رئيس جمعية المصدرين المصريين "إكسبولينك"، أن تطوير الإنتاج المحلي، وزيادة الصادرات يمثلان المحرك الأساسي لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام في مصر.
وأشار قاسم إلى أن حجم الصادرات الحالي يبلغ نحو 40 مليار دولار سنويًا، فيما تطمح الدولة إلى رفعه إلى 145 مليار دولار بحلول عام 2030، وهو ما يستلزم توسيع قاعدة الاستثمار وتطوير الصناعات الوطنية، لافتًا إلى أن جمعية المصدرين أطلقت مبادرة الاستثمار من أجل التصدير بالتعاون مع هيئة الاستثمار ووزارة الاستثمار، بهدف تحفيز المستثمرين على ضخ رؤوس الأموال في الصناعات القادرة على تلبية احتياجات السوق التصديري، وتوفير منتجات تتمتع بالميزة النسبية والتنافسية.
وأشار قاسم إلى أن نجاح الصادرات يعتمد على التخصص وفقًا للميزة التنافسية، مؤكدًا على أن مصر تمتلك مزايا نسبية، مثل الموقع الجغرافي والمناخ وتوافر العمالة، إلى جانب المزايا التنافسية التي تصنعها الدولة من خلال تحسين بيئة الأعمال وتيسير الإجراءات وتقليل الأعباء على المنتجين والمصدرين.
وأوضح أن التركيز ينبغي أن يكون على زيادة الصادرات باعتبارها المحرك الحقيقي للإنتاج، مؤكدًا أن معظم الواردات المصرية تتعلق بالسلع الرأسمالية ومكونات الإنتاج الأساسية، وليست مجرد استهلاك نهائي، ما يعني أن التحدي الحقيقي يكمن في ضعف الإنتاج المحلي ومعدلات الادخار، التي تبلغ 14% من الناتج القومي مقارنة بمتوسط عالمي يصل إلى 25%.
وأشار إلى أن مساهمة الصادرات في الناتج القومي الإجمالي لمصر لا تتجاوز 8%، وهي نسبة متواضعة مقارنة بالدول العربية والدول ذات مستويات النمو المشابهة، مؤكدًا على أن رفع هذه النسبة إلى 15–25% يجب أن يكون هدفًا استراتيجيًا للدولة والقطاع الخاص معًا.
وأوضح قاسم أن تعميق التصنيع يجب أن يركز على القطاعات التي تمتلك مصر فيها ميزة نسبية وتنافسية لضمان القدرة على المنافسة محليًا وعالميًا، وعدم إنتاج سلع عالية التكلفة لا يمكن تسويقها أو تصديرها.
وشدد على أن سياسة إحلال الواردات، التي اعتمدت في بعض الدول منذ الستينات، لم تكن الهدف الأمثل للاقتصاد المصري، لأنها لا تأخذ في الاعتبار المزايا النسبية للدولة وقدرتها على المنافسة في الأسواق الخارجية.
وحول قطاع الغزل والنسيج، أوضح قاسم أن الجمعية نظمت منذ أكثر من عام معرضًا للصادرات بهدف جذب المستثمرين الأفارقة والمشترين إلى مصر، لافتًا إلى أن القطاع يعاني حاليًا من ضعف الإنتاجية رغم الجهود المبذولة، لكنه شدد على أهمية استمرار العمل على تطويره ليصبح قادرًا على المنافسة عالميًا.
وأكد قاسم أن الاستثمار من أجل التصدير وتنمية الإنتاج المحلي، مع التركيز على المزايا النسبية والقدرة التنافسية، يمثلان الأساس لتحقيق الطموحات التصديرية لمصر وتعزيز دورها في الأسواق الأفريقية والعالمية.
وأشار إلى أن التغيرات العميقة في الاقتصاد العالمي، ولا سيما إعادة هيكلة سلاسل الإمداد الدولية، تمثل فرصة تاريخية لمصر لتعزيز دورها كمركز إقليمي للإنتاج والتصدير، لافتًا إلى أن هذه التحولات بدأت منذ نحو 40 عامًا، لكنها تعرضت لاختبارات حادة مع جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، ما كشف عن هشاشة النموذج القديم القائم على تركّز الإنتاج في مناطق بعيدة عن أسواق الاستهلاك.
وكشف عن أن هذه التطورات دفعت العالم للبحث عن مراكز إنتاج أقرب إلى الأسواق الاستهلاكية، ما خلق فرصًا كبيرة لدول مثل مصر، التي تتمتع بموقع جغرافي متميز وقريب من الأسواق الأوروبية والأفريقية، مؤكدًا على أن مصر أصبحت ضمن الدول ذات الأولوية على خريطة التحول العالمي للصناعة.
وأشار إلى التحسن الملحوظ في الحوار بين مجتمع الأعمال والحكومة، خاصة مع وزارتي المالية والاستثمار والتجارة الخارجية، مؤكدًا على وجود نوايا إيجابية بدأت تظهر على أرض الواقع، معربًا عن أمله في أن تسهم الإجراءات الجارية في تحسين مناخ الاستثمار والتصدير بشكل ملموس.
وشدد على أن الصناعات القائمة على خامات محلية، وعلى رأسها الصناعات التحويلية المرتبطة بالقطاع الزراعي، ستكون المحرك الرئيسي للصادرات خلال المرحلة المقبلة، موضحًا أن مراجعة أرقام الصادرات المصرية تؤكد أن هذه الصناعات تستحوذ على النصيب الأكبر من الصادرات وتمتلك القدرة الأكبر على تحقيق نمو مستدام.
من ناحيته قال علاء سبع، الشريك المؤسس لشركة بي بي إي بارتنرز، إن هناك نوعًا من التفاؤل تجاه الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية مدفوعًا بالإجراءات الإصلاحية التي أسهمت في جذب تدفقات استثمارية كبيرة شهدتها البلاد مؤخرًا.
وأوضح أن السوق المحلية تتمتع بفرص استثمارية واسعة في قطاع تجارة التجزئة، سواء في الأغذية أو الملابس، مؤكدًا أن هذا القطاع ما زال قادر على استيعاب استثمارات جديدة في ظل القاعدة الاستهلاكية الكبيرة.
وأشار إلى أن القطاع الزراعي يمثل أحد أبرز مصادر الفرص الهائلة غير المستغلة، لافتًا إلى وجود منتجات زراعية جديدة بدأت تُزرع في مصر وتجد طلبًا قويًا في الأسواق الخارجية في الوقت الراهن.
تحويلات المصريين في الخارج المصدر الأكبر للعملة الصعبة
وأكد سبع أن تحويلات العمالة المصرية بالخارج لا تزال تمثل المصدر الأكبر للعملة الصعبة للاقتصاد المصري، مشيرا إلى أن هذا الملف لا يحظى بالتركيز الكافي مقارنة بقطاعات أخرى.
ولفت إلى أن الاستثمار في التعليم، خاصة التعليم المرتبط بتأهيل الكوادر وتصديرها للخارج كخدمة، بات ضرورة ملحة.
وقال إن مصر تمتلك تراثًا ثقافيًا وتاريخيًا ممتدًا عبر مراحل عديدة يمكن إعادة استثماره اقتصاديًا في مجالات مثل السياحة والصناعات الإبداعية، وعلى رأسها السينما والموسيقى، مؤكدًا أهمية إتاحة مساحة أكبر للإبداع للاستفادة من هذا الإرث عبر تشجيع صناعة السينما.
وأضاف أن دور الدولة يجب أن يتركز في تنظيم المنظومة التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها، مثل تنظيم المناطق التراثية، وتحسين تجربة الزائر، بما يشجع السائح على الإقامة والإنفاق داخل المدن، وهو الأمر الذي سيسهم في فتح المجال أمام استثمارات القطاع الخاص في القطاع السياحي.