ارتفاع تاريخي في الأسعار وإقبال على الشراء.. لماذا يستثمر المصريون في الفضة؟

أخر تحديث 2025/10/20 02:34:00 م
ارتفاع تاريخي في الأسعار وإقبال على الشراء.. لماذا يستثمر المصريون في الفضة؟

آراب فاينانس: ارتفعت أسعار الفضة لمستويات قياسية في مصر، حيث جاء الارتفاع القياسي مدفوعًا بموجة صعود عالمية للمعدن الأبيض الذي عاد بقوة إلى دائرة الاهتمام كأحد أبرز الملاذات الاستثمارية الآمنة في ظل تصاعد التوترات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين واستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حيث سجل سعر الأوقية في مصر 2745 جنيهًا.

وعلى الصعيد العالمي، واصلت أسعار الفضة ارتفاعها الحاد لتبلغ نحو 52.1 دولارًا للأوقية، بعد أن لامست مستوى 54 دولارًا يوم الثلاثاء الماضي، وهو أعلى سعر في تاريخ المعدن الأبيض، مدفوعة بنقص المعروض وارتفاع الطلبين الاستثماري والصناعي، خصوصًا في قطاعات الطاقة الشمسية والإلكترونيات.

وتزامن هذا الارتفاع مع استمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي للأسبوع الرابع، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسريح عدد من الموظفين الفيدراليين، مما عمّق الخلافات السياسية حول الموازنة وزاد من مخاوف تباطؤ الاقتصاد الأمريكي.

وفي الوقت نفسه، تصاعدت التوترات التجارية بين واشنطن وبكين بعد أن فرضت الصين قيودًا على صادرات المعادن النادرة، وردّت الإدارة الأمريكية بفرض رسوم إضافية على السفن الصينية، وهذه الأجواء دفعت المستثمرين إلى الاتجاه نحو الفضة والذهب كملاذات آمنة لحماية أصولهم من التقلبات الاقتصادية.

الفضة تشهد إقبال كبير كأداة استثمارية لغير القادرين على شراء الذهب

من جانبه قال نادي نجيب سكرتير عام شعبة الذهب بالغرفة التجارية بالقاهرة في تصريحات حصرية لـ آراب فاينانس إن معدن الفضة يشهد إقبالًا كبيرًا لشرائه كأداة استثمارية لدى قطاع كبير من المصريين خلال الأيام الماضية حيث زاد سعره بنحو أكثر من 25% في أقل من عام، لافتًا إلى أن سعر الفضة قد يتضاعف لأكثر من ثلاثة مرات خلال العام المقبل.

وأضاف نجيب أن المستثمر في الفضة تكون لديه سيولة نقدية أقل من مستثمري السبائك الذهبية، لكن الأمر يحتاج لمزيد من الوقت لجني الأرباح الخاصة بفروق السعر خلال فترة تصل لنحو عام.

وأوضح نجيب أن أحد أهم أسباب ارتفاع سعر الفضة خلال الأيام الماضية هو زيادة الطلب الاستثماري عليها فضلًا عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتي قامت خلالها الصين بفرض قيود على تصدير المعادن النادرة ومنها الفضة.

وأشار نجيب إلى أن خفض سعر الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ولدى العديد من البنوك المركزية حول العالم أدى إلى توجه المستثمرين للاستثمار في المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة، كبديل عن الاستثمار في الأوراق المالية كالأسهم والسندات، أو كودائع لدى البنوك باعتبار أن الفضة والذهب من المعادن التي تحتفظ بقيمتها ضد التقلبات السعرية والتضخم بخلاف العملات النقدية التي تفقد قيمتها مع الوقت، حيث تعد الفضة أحد الملاذات الآمنة والمربحة في ذات الوقت للاستثمار للعديد من المستثمرين مثلها مثل الذهب.

استخدامات الفضة في الصناعات الدقيقة تزيد الطلب عليها

بينما قال الدكتور حسين العسيلي الخبير المصرفي والاقتصادي إن ما يميز الفضة عن الذهب هو أنها معدن ثمين وصناعي في آن واحد، بمعنى أنه لا يتم إقتناؤه فقط كملاذ آمن، بل لأنه يستخدم فعليا في العديد من الصناعات الدقيقة كالإلكترونيات، والأجهزة الشمسية، والرقائق الدقيقة، وغير ذلك، وفي السنوات الأخيرة، شهد الطلب الصناعي على الفضة ارتفاعًا ملحوظًا، وتحديدًا في الطاقة الشمسية عبر الخلايا الضوئية، حيث تستخدم الفضة في المواد الموصلة داخل الخلايا الشمسية.

وأضاف العسيلي أن الفضة تستخدم أيضا كمعدن أساسى في معظم الإلكترونيات الدقيقة والاتصالات، حيث أن هذه الصناعات تحتاج فى بعض الدوائر إلى موصلات فائقة، وقد تدخل الفضة أيضاً في مكونات حساسة، فضلاً أنها تشارك كعنصر أساسى في الاستخدامات عالية التقنية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، والحوسبة المتطورة ، كما أن للفضة دور في التسليح والتكنولوجيا العسكرية فهى تُستخدم في بعض مكونات الأنظمة الإلكترونية الدقيقة داخل أنظمة الأسلحة، كالموصلات، وأجهزة الاستشعار، والدوائر الدقيقة التي تحتاج موصلات عالية الجودة، فمع تصاعد الإنفاق الدفاعي في بعض الدول، قد يزداد الطلب على تلك المكونات التي تحتوي الفضة.

 وأكد العسيلي أن هناك عامل آخر يشكل عاملًا إضافيًا متزامنًا مع الطلب المدني والتقني وهو استخدام الفضة في المجال العسكري والذي قد يفوق التقديرات إذ إن الدعوة لاقتناء الفضة اليوم ليست مجرد مضاربة عابرة، بل إنها مدفوعة بتحولات تقنية وصناعية عميقة، وبفضل هذه العوامل، تجاوز الطلب الصناعي على الفضة في 2024 الرقم القياسي، حيث اسُتخدم حوالي 680.5 مليون أوقية في الصناعة وحدها.

قلة المعروض من الفضة تؤثر على الأسعار 

  ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن الطلب المتزايد وحده لا يفسر القفزات الحادة في سعر الفضة، بل يجب النظر إلى العرض أيضًا، وذلك لأن الفضة كمعدن معاون غالبًا ما يعتبرها البعض  منتج ثانوي يدخل في تشكيل معادن أخرى كالنحاس أو الرصاص، لذلك حتى إن ارتفع سعرها بشكل كبير، قد لا يكون محفزًا كإنتاج جديد وسريع، لأن المشاريع الأساسية لا تخطط لزيادة إنتاج الفضة وحدها.

وأوضح العسيلي أنه خلال عام 2024 شهد السوق عجزًا بنحو 148.9 مليون أوقية بين العرض والطلب، مما عزز الضغوط السعرية، فى حين أن توقعات الصناعة تشير إلى أن الطلب على الفضة الصناعية وحدها قد يفوق 700 مليون أوقية هذا العام، بينما العرض لا يتوقع أن ينمو بنفس الوتيرة، كما أن المخزونات من الفضة والمتاحة للتسليم الفوري ضعفت بشكل ملحوظ، مما خلق ضغطًا إضافيًا على السعر، وعلى ذلك فإن ما نراه حاليًا ليس مجرد موجة مؤقتة، بل هو تراكمات لعجز هيكلي في السوق.

وشدد العسيلي على أنه وإلى جانب العوامل الحقيقية، فهناك أيضًا ضغوط نفسية تدفع المستثمرين إلى اقتناء الفضة، فمع صعود الذهب وارتفاع أسعاره، يلجأ بعض المستثمرين إلى الفضة باعتباره بديلًا أرخص، أي أنه فرصة للدخول في سوق المعادن الثمينة من دون الدخول بسعر الذهب الباهظ.

وأكد أن التوترات الجيوسياسية، والتقلبات في العملات وخاصة ضعف الدولار تشجع الاستثمار في الأصول التي قد تعد حماية من التضخم فى بعض الأحيان، وكل هذا قد يخلق فى بعض الحالات أن تحدث ظاهرة الشراء خوفًا من فوات الفرصة، حيث أن بعض المستثمرين قد يندفعون إلى شراء الفضة ظنًا منهم أن السعر سيرتفع أكثر بما يعود عليه بالمكسب الوفير.

ويتوقع العسيلي أنه في حال ظل الطلب الصناعي متسارعًا، وواصلت الدولة تحفيز الاستثمار في الطاقة المتجددة، وازداد الإنفاق الدفاعي، فقد تستمر الفضة في كسر المزيد من المستويات السعرية، فبعض التحليلات تقول إنه من الممكن أن تصل الفضة إلى 100 دولار للأونصة في المدى البعيد، وكذلك إذا استمر ضعف الدولار أو تخفيض الفائدة، فهذا قد يدعم معدناً مثل الفضة.

السيناريو العكسي لتراجع سعر الفضة وارد

ويوضح العسيلي أنه رغم كل هذا الزخم على الطلب على الفضة، لا يمكن استبعاد السيناريو العكسي، فإذا ارتفعت أسعار الفائدة، فالمعادن التي لا تدفع عائدًا كالفضة قد تواجه ضغوطًا بسبب ارتفاع تكلفة الفرصة البديلة أي أن الأموال قد تتجه إلى السندات أو الأدوات الأخرى المدرة للدخل، أما إذا خف الطلب الصناعي مثلًا بسبب تباطؤ اقتصادي عالمي أو مشاكل في سلاسل التوريد وهو أمر وارد، فإن جزءً كبيرًا من الطلب على الفضة قد يضعف، وإذا قررت الحكومات ضخ معروض إضافي أو فتح الاحتياطيات، أو إذا شهد السوق تدخلًا لضبط الأسعار، فمن المؤكد أن  ينخفض الضغط التصاعدي، ومن المحتمل أيضا أن تدخل الفضة في مرحلة توازن مؤقت، وهو ما أتوقعه حيث تتقلب الفضة بين مستويي دعم ومقاومة لفترة، حتى تتضح الاتجاهات الكبرى.

توقعات البنوك العالمية لأسعار الفضة

وتوقع بنك أوف أمريكا أن يستمر الزخم الصعودي في أسعار الفضة خلال السنوات القادمة، مرجحًا أن يصل سعر الأونصة إلى 65 دولارًا بحلول عام 2026، مدعومًا بارتفاع مستويات الدين العام الأمريكي، والسياسات النقدية التوسعية، وضغوط خفض الفائدة على مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

من جانب آخر، حذّر بنك جولدمان ساكس من احتمالات تصحيح سعري مؤقت نتيجة التقلبات العالية في السوق، في حين رأى ساكسو بنك أن الفضة أصبحت نسخة أكثر حساسية من الذهب، وتوقع أن تواصل ارتفاعها لتقترب من 100 دولار للأوقية بحلول 2026 بفضل التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والتكنولوجيا الخضراء.