آراب فاينانس: تعتزم الحكومة المصرية ممثلة في وزارة المالية، الإعلان عن استراتيجيتها الجديدة للدين العام في شهر ديسمبر المقبل، حيث تهدف الاستراتيجية الوطنية الجديدة إلى الحد من الدين الخارجي، وذلك عن طريق السيطرة على تكاليف الاقتراض، وإطالة أجل استحقاق الدين بما يعني زيادة مدة الدين وبالتالي تخفيض قيمة القسط المطلوب سداده وكذلك تنويع مصادر التمويل وأهمها الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الربع الثاني، وفق ما أظهرت بيانات البنك المركزي ووزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
وكان الدين الخارجي قد سجل 155.1 مليار دولار في الربع الرابع من 2024، قبل أن يواصل مساره التصاعدي خلال 2025.
وبلغت نسبة الدين العام الخارجي في مصر نحو 87% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، وفق بيانات صندوق النقد الدولي.
ما الذي يميز الاستراتيجية الجديدة عن غيرها؟
يشير الدكتور هشام حمزة، الخبير المالي والمصرفي، أن الاستراتيجية الجديدة لخفض الدين العام الخارجي في مصر، طموحة جدًا ، خاصة إنها تعمل على محورين هما الحد من تكاليف الاقتراض وإطالة أجل الاستحقاقات.
كما تعمل الاستراتيجية حسب حمزة على تنويع مصادر التمويل والاستثمار الأجنبي المباشر، وهو ما يعني زيادة المعروض من النقد الأجنبي، وخفض المطلوب منه سواء معدل الفائدة أو قيمة الاستحقاقات لكننا نحتاج زيادة الدخل من العملة الاجنبية، وهذا يتم من خلال مراجعة كافة مصادر الدخل من العملة الاجنبية.
ويرى حمزة أنه دائمًا ما تضع الاستراتيجيات أهداف طموحة لكن قد تحدث ظروف غير مواتية مثل الحروب والاضطرابات الجيوسياسية تؤثر على هذه الخطط الطموحة مثلما شهدنا من حرب غزة فضلا عن الحرب التجارية بين الدول العظمى.
على الجانب الآخر تؤكد الدكتورة مروة الشافعي الخبيرة المصرفية أنه رغم عدم وجود اختلاف جوهري في الأسس الفنية التي تقوم عليها إدارة الدين العام بين الاستراتيجيات السابقة والجديدة، فإن الاختلاف الرئيسي يكمن في تغير السياقين المحلي والدولي، وما يفرضه ذلك من ضرورة إعادة ترتيب الأولويات واعتماد أدوات أكثر مرونة وفعالية لتحقيق استدامة الدين.
وتشير الشافعي إلى أن الاستراتيجية الجديدة لإدارة الدين الخارجي في مصر تعكس توجهًا إيجابيًا نحو تحقيق التوازن بين احتياجات التمويل والتنمية من جهة، والاستقرار المالي على المدى الطويل من جهة أخرى، غير أن نجاحها الفعلي يتوقف على تحسين آليات التنفيذ وضمان استدامة الإصلاح، ويتطلب ذلك تعزيز الشفافية والإفصاح المالي من خلال نشر بيانات دقيقة ومحدثة حول حجم الدين وهيكله، ومعالجة الاختلالات الهيكلية عبر ترشيد الإنفاق وتوسيع قاعدة الإيرادات المستدامة، إلى جانب رفع درجة المرونة في مواجهة الصدمات الخارجية من خلال تنويع أدوات التمويل وتحصين الاقتصاد ضد تقلبات أسعار الفائدة وأسعار الصرف.
أعباء خدمة الدين تمثل أبرز التحديات
وتؤكد الشافعي أن وزارة المالية تسعى إلى خفض الدين الخارجي تدريجيًا بمعدل يتراوح بين 1 و2 مليار دولار سنويًا، من خلال تنويع أدوات التمويل المحلية مثل السندات الإسلامية والسندات الموجهة للمصريين في الداخل والخارج، وهذا التوجه يهدف إلى تقليل الاعتماد على التمويل الخارجي الذي يتأثر بتقلبات سعر الصرف وأسعار الفائدة العالمية لكن في المقابل، ما زال عبء خدمة الدين من الأقساط والفوائد يمثل أحد أكبر التحديات أمام الموازنة العامة، حيث تستحوذ هذه المدفوعات على نحو 87% من إجمالي الإيرادات الضريبية في موازنة 2025/2026، وهو ما يترك حيزًا محدودًا للإنفاق على التنمية والخدمات العامة.
وتوضح الشافعي أن تحقيق استدامة الدين في مصر مرهون بقدرة الدولة على تحقيق نمو اقتصادي يفوق معدل الفائدة على الدين، وزيادة الإيرادات المحلية دون فرض أعباء ضريبية إضافية مؤكدة أن نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي ما تزال عالية، كما أن خدمة الدين تستهلك نسبة كبيرة من الإيرادات، في الوقت الذي لا تزال فيه الإصلاحات الهيكلية في بدايتها، والاقتصاد حساس للصدمات الاقتصادية أو الخارجية مثل سعر الصرف، والتضخم، والتمويل الخارجي، وهو ما يجعل من الصعب إحراز تقدم.
وحول مدى إمكانية نجاح الاستراتيجية من عدمه تؤكد الشافعي أن ذلك مرهونًا بقدرة الدولة على تحويل الأهداف المعلنة إلى نتائج ملموسة تنعكس في خفض أعباء خدمة الدين وتحسين جودة الخدمات العامة واستعادة التوازن المالي بما يعزز ثقة المواطن والمستثمر في آن واحد.
وترى الشافعي أن الحل يكمن في إصدار أدوات دين محلية طويلة الأجل بالعملة المحلية مما يساعد في تقليل المخاطر المرتبطة بالدين الخارجي، خصوصًا تقلبات أسعار الصرف، علاوة على تحسين هيكل الدين العام من خلال العمل على إطالة متوسط آجال السداد لتجنب ضغوط التمويل قصيرة الأجل، مع تخفيض تكلفة الاقتراض تدريجيًا.
وتوضح الشافعي أن ضبط السياسة المالية والنقدية هو الهدف الأبرز الذى يجب أن تسعى إليه الحكومة من خلال تنسيق السياسات المالية مع النقدية كضرورة للحفاظ على استقرار الأسعار، وتعزيز الثقة في الاقتصاد الكلي، وضمان استدامة الدين على المدى المتوسط حيث يعد تعزيز الشفافية والإفصاح من خلال نشر بيانات دقيقة ومحدثة حول الدين العام والمشروعات الممولة من العوامل التي تمنح الثقة للمستثمرين.
أهمية توطين الصناعة
بينما يؤكد حمزة أنه ينبغي توطين الصناعة في مصر لتقليل الاعتماد على الاستيراد وزيادة التصدير، وبالتالي توافر النقد الأجنبي وتخفيض عمليات الاقتراض الخارجي.
وتتفق معه الدكتورة يمن الحماقي رئيس قسم الاقتصاد السابقة بجامعة عين شمس والتي ترى ضرورة دعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة للنهوض بالصناعة المصرية وتقليل عمليات الاستيراد من الخارج.
وتؤكد الحماقي أن الحكومة وضعت نظام إنذار مبكر للدين الخارجي وهذا شئ جيد لكن في ذات الوقت يجب ترشيد الإنفاق الحكومي والحد من الهدر فيه.
تنويع مصادر النقد الأجنبي
على الجانب الآخر ترى الدكتورة سهر الدماطي الخبيرة المصرفية ضرورة تنويع مصادر النقد الأجنبي من خلال استغلال أحد موارد النقد الأجنبي في مصر وهي السياحة خاصة مع افتتاح المتحف المصري الكبير وهو حدث مهم يجب استغلاله للترويج للسياحة المصرية وجذب أعداد كبيرة من السائحين.
ويتفق حمزة معها في هذا الرأي حيث يرى أن مصر لديها إمكانات وتنوع سياحي لا مثيل له حول العالم، يمكن استغلاله من حيث السياحية الترفيهية، والشواطئ السياحية، على كل من البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. فضلًا عن السياحة الدينية، وسياحة المؤتمرات إذ تمتلك مصر أكبر مكان على وجه الأرض به آثار.
وتستهدف الحكومة المصرية، وفقًا للسردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، جذب أكثر من 130 مليون سائح بين عامي 2025 و2030، وزيادة عدد الوافدين تدريجيًا من 15.8 مليون في 2024 إلى 28 مليون في 2030، وصولاً إلى 50 مليون سائح بحلول عام 2050.
كما ينبغي وفق حمزة تنمية تحويلات المصريين في الخارج، من خلال تشجيعهم على تحويل العملات الأجنبية عبر القنوات الرسمية، ومن خلال المبادرات الموجهة للمصريين بالخارج مثل مبادرة سيارات المصريين بالخارج ومبادرة بيتك في مصر التي تشجع على توجيه التحويلات بالعملات الأجنبية لمصر.
بينما يؤكد الدكتور رشاد عبده رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية أنه ينبغي التركيز على تنويع مصادر النقد الأجنبي من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتي ستساهم في نمو القطاع الصناعي والزراعي في مصر مطالبًا بإعطائهما الأولوية في المجال الاستثماري بدلًا من التركيز فقط على القطاع العقاري.
وتوقع عبده أن تنتعش خلال الفترة المقبلة إيرادات قناة السويس مع توقيع اتفاق السلام في غزة ومحاولات مصر لتهدئة التوترات في المنطقة.
وتطالب سهر الدماطي بضرورة تعديل الميزان التجاري المصري من خلال الحد من الواردات وزيادة الصادرات، مع التقليل من استيراد السلع الترفيهية وغير الأساسية التي تلتهم الكثير من النقد الأجنبي مما يضطر الدولة في النهاية للاقتراض لسد الاحتياجات المحلية.
وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 4.5 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام 2025 ليصل إلى 161.2 مليار دولار مقابل 156.69 مليار دولار في الربع الأول من العام، بحسب بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي.
وقال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال الاجتماع الأسبوعي للمجلس إن الحكومة ماضية في تنفيذ استراتيجية متكاملة لإدارة الدين الخارجي، وتقوم على ترشيد الاقتراض، وتوسيع الاعتماد على التمويل التنموي منخفض التكلفة، وتحسين كفاءة استخدام القروض في المشروعات ذات العائد الاقتصادي المباشر، لضمان أن يبقى الدين في مساره النزولي المستدام.
وشدّد رئيس الوزراء على أن إدارة ملف الدين الخارجي تتم وفق إطار مؤسسي محكم، يوازن بين متطلبات تمويل المشروعات القومية وبين الحفاظ على استدامة المؤشرات المالية والقدرة على السداد.